أرادوا أن يعلموا الأمة ويهذبوها، فانقلبت عليهم أغراضهم، وجدوا أمامهم الأزهر يعلم الناس، وكان إذ ذاك قائمًا وحده بالتعليم، وكان ما فيه من علوم لا يكفي لما يناسب العصر الحاضر، وكان الطريق الصحيح للرقي أن يدخلوا عليه ما شاؤوا من التهذيب والإصلاح، ولكنهم لم يفعلوا، فتركوه جانبًا، وأنشأوا بجواره أنواعًا من المدارس، ثم جاؤوا إلى العلوم التي اختص بها، وهي الشرائع والعلوم اللغوية، فعملوا لها مدرستين، وزادوا أخيرًا ثالثة، هي "قسم الآداب بالجامعة" حتى يتم القضاء عليه فلا تقوم له قائمة، وما أدري هل عمدوا أو أخطؤوا؟ إنما نرى النتائج والآثار، وعلم النيات عند الله.
الأمة تريد العلم والتهذيب وتحرص على دينها، ولكن بجانب هذا يريد الإنسان الحياة، يريد أن يطرق سبل الكسب، يريد أن ينال حظه من نعيم الدنيا، وهذه المدارس قد احتكرت كل الفنون التي تنفع في اكتساب الرزق، فأقبل الناس على زجّ أبنائهم فيها وتكالبوا عليها، وليس في مقدورهم الإعراض عنها، وقد حببت إليهم العاجلة، وإن كثيرًا من الآباء ليبكون الدم أسفًا على ما وصل إليه أولادهم من استهزاء بالدِّين وإعراض عنه، وما فعلت بهم آراء الإباحية التي بُثت فيهم وامتزجت بأرواحهم.
وها قد صارت الأمة في خطر شديد من هذه الخطط التي وضعت فكادت تقضي على عقائد شبانها وأخلاقهم وتهذيبهم، فهل نجد في