سليم بك حسن المسلم، الذي يعرف من دينه ومن قرآنه أن الله أنزل التوراة على موسى، يتردد في أن هذا الكتاب الذي في أيدي الناس هو الأصل، أو هو كتاب آخر صنع من بعده؟ أما إذا رجح أنه ليس هو الأصل كما نرجح نحن لأدلة غير التي يعلمها، فموقفه أقرب إلى السلامة، وأما إذا رجّح أنه هو الأصل، أو احتمل أن يكون كذلك عنده، فإنه لا يجوز له - في دينه دين الإسلام - أن يعبّر بأن "موسى هو المؤلف لهذا التاريخ" حتى لو كان مقلدًا لغيره من علماء أوربة الملحدين، أيًّا كان العذر، وأيًّا كان السبب. وأظن أن هذا من الوضوح بحيث لا يكون موضع ريبة أو تردد أو تأويل.
ثم أما بعد مرةً أخرى: فإني لم أكن أريد لأُسْهب القولَ في هذا الموضوع، مخالفًا ما رسمتُ لنفسي في "كلمة الحق" أن تكون كلماتٍ موجزةً في دقة وإحكام، لولا أنْ رأيت كلام المؤلف هذا، وما فيه من تكذيب القرآن صراحة وضمنًا، بل ما فيه من سخرية واستهزاء بما أثبته القرآن بالنص الواضح الصريح! ! فإن المؤلف الأستاذ رضي لنفسه أن يُعَبِّر بعبارة نابية عن أضخم حادث وقع في تاريخ بني إسرائيل، بل في تاريخ مصر كله فيما نعلم، وعن أكبر معجزة لنبي الله "موسى" عليه السلام، فسماه "خرافة غرق الفرعون"! ! ثم تناسى كل ما ورد عن هذا الحدث العظيم في القرآن الكريم، وذكر آيةً واحدةً لعب بتفسيرها وتأويلها لعبًا لم يضرَّ به إلَّا نفسه؛ فإنه قفا ما ليس له به علم، فكشف عن ذات نفسه في معرفته بقرآنه ودينه.