وهذه الجرأة من المؤلف الأستاذ، تصويره غرق فرعون الثابت في القرآن بأنه "خرافة" هي التي دعتني للكتابة في هذا الموضوع، على كراهتي للجدال وإعراضي عنه، ولكني لم أستجز لنفسي أن أسكت على مثل هذا التهجم على القرآن، أيًّا كان كاتبه أو قائله.
والمؤلف الأستاذ يضطرب في هذا البحث ويتردد، فيثبت شيئًا ثم ينفيه، أو يشكك فيه! فإنك تراه يقول في (ص ١١٤) بعد الذي نقلنا من قوله آنفًا في أن عليه أن يسعى في تفسير التفاصيل عن قصة بني إسرائيل على فرض أنها أسطورة -: "وعلى ذلك فإني بعيد عن القول بأن كل قصة الخروج خرافية. وقد أوضحت وأكدت بكل صراحة اعتقادي بأن القصة في مجموعها تعكس لنا صورة حادثة تاريخية معينة، وهي طرد الهكسوس من مصر"! وانظروا واعجبوا إلى قوله "اعتقادي"، كأن له اعتقادًا أو رأيًا ثابتًا! ! وهو الذي يقول قبل ذلك بقليل (ص ١١٣): "على أن كل ما ذكرناه هنا عن تاريخ خروج بني إسرائيل ومكثهم في أرض مصر لا يرتكز على حقائق تاريخية تشفي الغُلة [يريد الحجارة والأوثان ونحوها] إذ على الرغم من كل ما استعرضناه في هذا الموضوع، فإن بعض علماء الآثار لا يزالون ينظرون إلى موضوع خروجهم وأنه حقيقة تاريخية تنطبق على بني إسرائيل - بعين الحذر والحيطة، ونخص من بينهم الأستاذ جاردنر" إلخ. فهو يريد أن يستقل بالرأي تارة، ويغلبه الضعف والتقليد في الموضوع نفسه تارة أخرى، فلا يستطيع أن يثبت على رأي واحدٍ! إلا أن يكون في "خرافة غرق فرعون"! فإنه كان شجاعًا ثابت الرأي،