في الأعجمية خلاف ما العلامة عليه فلا ترينه تخليطًا، فإن العرب تخلط فيه وتتكلم به مخلطًا؛ لأنه ليس من كلامهم، فلما اعتنفوه (١) وتكلموا به خلطوا".
وقال أبو حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط (ج ١ ص ٣١٧ - ٣١٨) في اسم "جبريل": "وقد تصرفت فيه العرب، على عادتها في تغيير الأسماء الأعجمية، حتى بلغت فيه إلى ثلاث عشرة لغة".
ونقل السيوطي في المزهر (ج ١ ص ٢٩٢) عن المرزوقي في شرح الفصيح: "المعربات ما كان منها بناؤه موافقًا لأبنية كلام العرب يحمل عليها، وما خالف أبنيتهم منها يراعى ما كان إلفهم له أكثر فيختار. وربما اتفق في الاسم الواحد عدة لغات، كما روي في جبريل ونحوه. وطريق الاختيار في مثله ما ذكرت".
فهذه هي الفطرة العربية السليمة، المناسبة لقوة عارضة العرب، ولرصانة لغتهم، وإتقانهم مخرج حروفهم وتجويدهم إياها، وكذلك لا نزال نرى عامتنا على فطرتهم إذا ما لاكت ألسنتهم اسمًا أعجميًّا، يصوغونه صياغة الحرف العربي والنطق العربي، غير متعلمين ولا متكلفين، وإن أخطؤوا قواعد اللغة وقواعد الإعراب، أما متعلمونا ومثقفونا - أو أكثرهم - فأنت ترى ماذا صنعوا بلغتهم إذا نقلوا إليها عن اللغات الأعجمية: يتبعون قرار المجمع اللغوي! أو هم قد سبقوه
(١) "اعتنفوه" بالفاء، يقال: "اعتنف الشيء" أي أتاه ولم يكن له به علم ولا حذق، أو كرهه ووجد له مشقة.