إلى العمل به قبل وضعه! فلا يكاد لسانهم ينطق بكلمة أجنبية أو علم أجنبي حتى ينقلب لسانًا إفرنجيًّا تبرأ منه لغة العرب، وتنفر منه أسماع العرب، فيأتون بالحروف المعوجة، والحروف المخطوفة، ويجمعون بين ساكنين أو ثلاثة، ويبدؤون بالساكن، وهكذا ينطقون بها "كما ينطقها أهلها" وليتهم فعلوا هذا حقًّا، إنما هم ينطقون كل كلمة أجنبية، إما كما ينطقها الإنجليز، وإما كما ينطقها الفرنسيون، حتى لو كانت الكلمة فارسية أو هندية أو صينية أو يابانية أو جاوية، أو ما شئت من لغات أمم سمعنا بها، ومن لغات أمم لم نسمع بها! ! وإن شئت مصداق قولنا فاستمع للإذاعة في "الراديو" من مصر ومن غيرها، وتأمل نطق المتحدثين من المتعلمين والمثقفين بالعربية، حين يعثر لسان أحدهم بكلمة أجنبية، وانظر كيف "يتفاصح" فيعوج لسانه ويتمطى ويلين، يحاول أن ينطقها كما ينطقها أهلها "الإنجليز أو الفرنسيون" فقط، فتسمع لغة عربية أعجمية "حديثة"! ! ودع عنك أن هذا "التفاصح" إنما يحرصون عليه في الألفاظ الأعجمية، أما قواعد اللغة العربية، وأما صحة الألفاظ العربية فلا "يتفاصح" فيها أحد، إلا القليل النادر. وهكذا فعلوا في الكتابة، حتى ما كتب خطأ في اللغات الأخرى، يحرص أبناء العربية على كتابته على الخطأ، كما ورد عن السادة الذين نقلدهم! وأقرب مثل لذلك اسم البلدة الهندية "دهلي" الشهيرة، اسمها عند أهلها "دهلي" وكتبها كذلك علماء الهنود الكبار الذين ألفوا نفائس الكتب بالعربية، وهكذا نسبتهم إليها، مثل العلامة الكبير "شاه ولي الله الدهلوي"، ومع ذلك فإن الإنجليز أخطؤوا