وكل من ذكرنا مأجور على ما أصاب فيه أجرين، ومأجور فيما خفي عليه ولم يبلغه أجرًا واحدًا، قال الله - تعالى -: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[الأنعام: ١٩].
وقد يبلُغ الرجل ممن ذكرنا نصان ظاهرهما التعارض، فيميل إلى أحدهما بضرب من الترجيحات، ويميل غيره إلى النص الذي ترك الآخر بضرب من الترجيحات أيضًا، كما رُوي عن عثمان في الجمع بين الأختين: أحلَّتهما آية وحرَّمتهما آية. وكما مَالَ ابن عمر إلى تحريم نساء أهل الكتاب جملةً بقوله - تعالى -: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة: ٢٢١]. وقال: لا أعلم شِركًا أعظم من قول المرأة: إن عيسى ربُّها. وغلب ذلك على الإباحة المنصوصة في الآية الأخرى، ومثل هذا كثير.
فعلى هذه الوجوه ترك بعض العلماء ما تركوا من الحديث ومن الآيات، وعلى هذه الوجوه خالفهم نظراؤهم لأخذ هؤلاء ما ترك أولئك، وأخذ أولئك ما ترك هؤلاء، لا قصدًا إلى خلاف النصوص، ولا تركًا لطاعتها كذا, ولكن لأحد الأعذار التي ذكرنا، إما من نسيان، وإما أنها لم تبلغهم، وإما لتأويلٍ ما، وإما لأخذ بخبرٍ ضعيفٍ، لم يَعلم الآخذ، به ضعف رواته وعلمه غيره، فأخذ بخبرٍ آخر أصحَّ منه أو بظاهر آية.
وقد يشتبه بعضهم في النصوص الواردة إلى معنى، ويلوح له حكم بدليل ما ويغيب كذا غيره، ثم كثرت الرِّحل إلى الآفاق،