أوجب الوضوء من الغائط وأوجبه من الملامسة، وإنما ذكرها موصولة بالغائط بعد ذكر الجنابة، فأشبهت الملامسة أن تكون اللمس باليد، والقبله غير الجنابة؛ أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن مالك بن عبد الله عن أبيه قال: قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة، فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء. قال الشافعي: وبلغنا عن ابن مسعود قريب من معنى قول ابن عمر".
فهذا التعبير من الشافعي، وهو دقيق العبارة، ولا يلقى الكلام جزافا, ولا يرسل القول إرسالًا، يقول:(فأشبهت الملامسة أن تكون اللمس باليد). قد نفهم منه الحذر والتردد؛ لأنه لم يجد عنده في الباب حديثًا مرفوعًا صحيحًا، وإنما وجد أثرًا صحيحًا عن ابن عمر، ووجد نحوه عن ابن مسعود، ووجد الآية تحتمل معنى قولهما؛ فاحتاط لذلك وفسر الآية على ما يوافق ما لديه من الأثر عن الصحابة.
ومما يؤيد ما ذهبتُ إليه في معنى كلام الشافعي؛ أن ابن رشد بعد أن نقل حديث حبيب عن عروة عن عائشة [المذكور في هذا الباب] نقل عن ابن عبد البر؛ أنه مال إلى تصحيحه, وأنه قال: وروي هذا الحديث أيضًا من طريق معبد بن نباتة، وقال الشافعي: إن ثبت حديث معبد بن نباتة في القبلة لم أر فيها ولا في اللمس وضوءًا.
وأن الحافظ ابن حجر في التلخيص (ص ٤٤) نقل نحو ذلك عن الشافعي فقال: قال الشافعي: روى معبد بن نباتة عن محمَّد بن عمرو ابن عطاء عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقبل ولا يتوضأ. وقال: لا