تفهم من هذا الكلام إلا وجوب المشايعة والموادعة للعالم، لا له ولخادمه ورفيقه، وإن تأخرا عنه، وهذا لعمري حسب قواعد العربية والذوق السليم جلي واضح، لم يكن ليخفى عليك، وأنت خرِّيتُ العربية، لولا الغفلة (والغفلات تعرض للأديب).
هذا من حيث لفظ الدليل وسياق الآيات الكريمة، وهنالك ما هو أدق وأحق بالاعتبار من حيث الحكمة الشرعية والفلسفة الإسلامية وشموخ مقامها، وبعد نظرها في أحكامها، وهو: أن من المعلوم؛ أنه ما من حلال أبغض إلى الله - سبحانه وتعالى - من الطلاق، ودين الإسلام كما تعلمون - جمعي اجتماعي - لا يرغب في أي نوع من أنواع الفرقة، سيما في العائلة والأسرة، وعلى الأخص في الزيجة، بعد ما أفضى كل منهما إلى الآخر بما أفضى، فالشارع بحكمته العالية يريد تقليل وقوع الطلاق والفرقة، فكثر قيوده وشروطه، على القاعدة المعروفة من أن الشيء إذا كثرت قيوده عز أو قل وجوده، فاعتبر الشاهدين العدلين للضبط أولًا ولحصول الأناة والتأخير ثانيًا، وعسى إلى أن يحضر الشاهدان، أو يحضر الزوجان أو أحدهما عندهما يحصل الندم ويعودان إلى الألفة، كما أشير إليه بقوله تعالى:{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}. وهذه حكمة عميقة في اعتبار الشاهدين، لا شك أنها ملحوظة للشارع الحكيم مضافًا إلى الفوائد الأخر.
وهذا كله بعكس قضية الرجوع: فإن الشارع يريد التعجل به،