الطلاق في الآية الأولى، والأربع كلمات في الآية الثانية؟ ! كلا! أنها سورة الطلاق، ذكر فيها كثير من أحكامه عامة، وسيق نحو نصفها لإرشاد الرجال إلى ما يجب عليهم عند الطلاق وبعده، وكل ذلك أصل مقصود، لم يذكر شيء منه تبعًا ولا استطرادًا.
ولو قرأ القارئ الآيتين الأوليين بأناة وروية، وتأمل فيهما، على ما تقتضيه الفطرة العربية المستقيمة والذوق السليم، لتبين له أن الأمر بالإشهاد راجع إلى الأشياء الثلاثة المذكورة في الآيتين، وهي الطلاق: أي إنشاؤه، والإمساك بالمعروف: أي الرجعة، والمفارقة بالمعروف: أي إنفاذ الطلاق بتسريحها بإحسان عقيب انقضاء عدتها، وأنه لو كان المراد الأمر بالإشهاد عند إنشاء الطلاق فقط لكان موضع ذكره في صدر الآية الأولى عند قوله:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ}. أما تأخيره بعد ذكر الإمساك أو المفارقة، فإنه صريح في عودته إلى جميع ما تقدم عليه.
وهذا هو الذي فهمه أكثر العارفين باللغة والمتمكنين منها، ولم يستهجن أحد منهم عوده إلى الرجعة، ولا ادعى أنها ذكرت تبعًا واستطرادًا، فابن عباس وعطاء والسدي وغيرهم فهموا أن الأمر بالإشهاد راجع إلى الطلاق وإلى الرجعة معًا، ولذلك قال ابن حزم:"فقرن عز وجل بين المراجعة والطلاق والإشهاد، فلا يجوز إفراد بعض ذلك عن بعض".
وكذلك قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي، وهو من أعلم