الشريعة "مما هو أدق وأحق بالاعتبار، من حيث الحكمة الشرعية، والفلسفة الإسلامية، وشموخ مقامها، وبعد نظرها في أحكامها"؛ لأن القيود التي قيد بها حق الطلاق أوثق وأقوى مما اشترط في صحة الرجعة "على القاعدة المعروفة من أن الشيء إذا كثرت قيوده، عز أو قل وجوده".
وما اشترط في صحة الرجعة، إنما اشترط ضمانًا لبقاء الحياة الزوجية صحيحة سالمة من إرادة العبث بها، بعدًا بها عن مواطن الشبهات، وعن الإضرار بالمرأة عن إرادة النكول والجحد لإضاعة حقها.
ولست أظن أني بحاجة إلى بيان وجه "الحكمة الشرعية والفلسفة الإسلامية" فاشتراط إرادة الإصلاح في صحتها؛ إذًا هو واضح بالبداهة، وصريح من نص الكتاب الكريم.
وأما اشتراط الإشهاد فإنه ليس قيدًا به مقصد الشارع في تقليل وقوع الطلاق والفرقة، وفي إرادة التعجيل بالرجعة وإنما هو شرط يقيد في ضمان ثباتها وبقائها، وفي حفظ عزة المرأة وكرامتها، فالرجل حين يطلق يشهد على طلاقه، وهو إعلان له وإثبات، ثم يذهب فيراجع سِرًّا من غير حضرة الشاهدين، ولعله قد يبدو له أن يندم على رجعته، أو يرى له فائدة مادية حقيرة في إنكار ما فعله وجحده، وتعجز المرأة عن إثبات حقها وإثبات إجرامه، ولا ترى لها شاهدًا ولا دليلًا، وقد يفعل ذلك ورثته إذا مات قبل إعلان