النظار إذ ذاك، أن يكون عضوًا معينًا في الجمعية، فأجاب طلبه؛ وبذلك ترك المناصب الرسمية، وأبى أن يعود إلى شيء منها، ولم يخضع بعد ذلك لشيء من مغرياتها، بل فضَّل أن يعيش حرَّ الرأي والعمل والقلب والقلم.
وعاش في حريته كما عاش في مناصبه، للناس لا لنفسه، ما قصده طالب حاجة إلَّا بذل له من نفسه وماله وجاهه، يعمل الخير للخير، ولوجه الله.
وكانت له في كبريات الصحف، وفي المقطم خاصةً، أثناء الحرب العظمى، جولات صادقة ومقالات نيرة، لا يزال صداها يدوي في آذان كثير ممن عُنُوا بالشؤون السياسية في ذلك الوقت: إذ كان مرمى كتاباتِه كلها إلى الدفاع عن بيضة الإسلام، وردِّ كيد المهاجمين، من المعتدين والخائنين، خشية أن يكون ما كان، من تقطع أوصال الأمة الإسلامية، وتفرقها أممًا متباينة، ببدعة القوميات التي اخترعتها أوربة، لتفرّق بها كلمة المسلمين، وتضربَ بعضَهم ببعضٍ، ولتفتنهم عن المبدأ السياسيّ والاجتماعيّ السليم الذي شرعهُ الله لهم، وأمرهم باتباعهِ والعضّ عليه بالنواجذ:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}[سورة الأنبياء آية ٩٢، وسورة المؤمنون آية ٥٢].
ثم قامت الثورة المصرية في سنة ١٩١٩، فضرب فيها بسهمٍ وافرٍ، وتبعهُ أهل الأزهر قاطبة، فكان هو الروحَ الوثابةَ فيهم، وكان هو القائدَ، وكان هو الزعيم.