أكثر العلوم العالية، ولازمت دروسه أكثر من ثمان سنين، في الصباح والمساء، كما يعرف ذلك ويشهد به إخواني في الدرس والطلب، وكما يقر به المنصفون من أقرانه من أهل العلم.
وأخلاقهُ كانت أخلاق العلماء الأولين، كان رجلًا مسلمًا يخاف الله ويرجو رحمته، ولا يخاف غيره ولا يرجوه، يعمل ما يعمل، أو يقول ما يقول، خالصًا لله، أذكر أنهُ في أوائل الثورة المصرية، كتب نداءً شديد اللهجة، يزيد في وقود الثورة، ثم دعاني أنا وأخي السيد علي، وقرأه علينا، يطلب رأينا، فأعجبنا به، وقلت له: ولكن بعده الاعتقال، فما عبأ بذلك، وأذاعَهُ على الناس في الصحف.
ولم تكن الدنيا من همه في شيءٍ، وقد كانت تجري على يديه، وكان له من النفوذ في الدولة ما يمكن له من الغنى لو أراد، وكان دائمًا مقربًا إلى العرش، بل أتى عليه حينٌ من الدهر كان أقرب الناس إليه زلفى، فعصمه زهده وعفته وإباؤه، ولقد حدثني واحد من شيوخي حفظهُ الله، منذ أكثر من خمس وعشرين سنة؛ أنهُ حاوره مرة ليحمله على شراء دار لأولاده، فأبى رحمه الله، وقال له: إنما أُحسن تربيتهم وتعليمهم، ولهم رزقهم عند الله، وكان يضع الميزانية سنويًّا لمعهد إسكندرية ثم في الأزهر، وكان يقرر فيها ما يستحقه العلماء والموظفون من علاوات ونحوها، فكان يكتب لنفسه أمام اسمه ما لا يخطر على بال أي رئيس أو عامل أن يصنعه، كان يكتب بخطه لنفسه (لا يستحق شيئًا) ولو أراد لنفسه عرض المال لاستحق شيئًا كثيرًا.