دينه، صلبٌ في عقيدته، صلبٌ في رأيه، شجاعٌ غير جبانٍ، لا يرهب أحدًا من الناس، ولا يخشى إلَّا الله.
* * *
أما الناحية العلمية منهُ فإنهُ كان عالمًا بكتاب الله يفقههُ ويعرفهُ، ويداوم مدارسته والغوص على أسراره، وكانت له في التفسير نظرات دقيقة، وقد قرأ لنا التفسير مرتين: مرة في تفسير البغوي، وأخرى في تفسير النسفي. وله في السُّنَّة اطلاعٌ جيدٌ وفقهٌ سليمٌ، وقرأ لنا صحيح مسلم، وسنن الترمذي، والشمائل، وسنن النسائي، وبعض صحيح البخاري. وقرأ لنا فقه الحنفية في كتاب الهداية، على طريقة السلف، في استقلال الرأي وحرية الفكر، ونبذ العصبية لمذهب معين، وكثيرًا ما خالف مذهب الحنفية عند استعراض الآراء وتحكيم الحجة والبرهان، ورجح ما نصره الدليل الصحيح، وقرأ لنا في الأصول جمع الجوامع وشرح الإسنوي على المنهاج، وفي المنطق شرح الخبيصي، وشرح القطب على الشمسية وغيرهما، وفي البيان الرسالة البيانية، إلى غير ذلك من الرسائل الصغيرة في علوم مختلفة.
وكان في العلوم العقلية آيةً من الآيات، بل هو أقوى رجل ظهر في الأزهر فيها؛ ولذلك لم يكن يصمُد لهُ أحد في مناظرة أو جدال، لإبداعه في إقامة الحجة وإفحام المناظر؛ لخصب ذهنه وتسلسل أفكاره، وانتظامهما على قواعد المنطق الصحيح السليم، ولست أقول هذا فخرًا أو غلوًّا، بل أشهد به عن يقين وخبرةٍ، وقد تلقيتُ عنهُ