تحديد موضوعات العلوم وخصوص كل صنف من العلماء بما أحسنوه من العلم.
والقواعد التي سار عليها علماء هذا الفن - فن الحديث - هي أصح القواعد للإثبات التاريخي وأعلاها وأدقها، وإن أعرض عنها كثير من الناس وتحاموها بغير علم ولا بينة، بل إنا لنجد بعض الباحثين يعرضون لإثبات الأحاديث ونفيها بآرائهم وأهوائهم، فمهما رأوا من شيء نسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان موافقًا لرأي ينصرونه فهو الحديث الصحيح عندهم، وإن كان مكذوبًا موضوعًا، ومهما رأوا من حديث صحيح ثابت وكان مخالفًا لما تنصره أهواؤهم فهو الحديث الضعيف أو المكذوب، وإن كان إسناده من أقوى الأسانيد وأصحها وأثبتها عند العارفين بها، ولعلهم لم يقرؤوا طول حياتهم إسنادًا صحيحًا أو ضعيفًا، ولم يعلموا قليلًا ولا كثيرًا مما بذله علماء الحديث من الجهد في التحري والتوثق والتتبع لأحوال الرواية وألفاظ الأحاديث ومعانيها، وما ألفوا في ذلك من الدواوين الكبار والمعاجم الموسوعة من منتصف القرن الثاني للهجرة إلى أوائل القرن العاشر.
أيها السادة:
قد عني المسلمون بحفظ أسانيد شريعتهم من الكتاب والسنة بما لم تعنَ به أمة قبلهم؛ فحفظوا القرآن ورووه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متواترًا، آية آية، كلمة كلمة، وحرفًا حرفًا، حفظًا في الصدور، وإثباتًا بالكتابة في المصاحف، حتى رووا أوجه نطقه بلهجات