أسري به الليلة إلى بيت المقدس. قال: أَوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: لئن كان قال ذلك، فقد صدق. فقالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم؛ إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سمي أبو بكر الصديق.
وقد رواه البيهقي، عن الحاكم فيما نقله الحافظ ابن كثير، ورواه أيضًا ابن الأثير في أسد الغابة، بإسناده من طريق المفضل بن غسان عن محمد بن كثير الصنعاني، وهذا إسناد صحيح صححه الحاكم ووافقه الحافظ الذهبي، وهو ينقض رواية ابن إسحاق المجهول إسنادها؛ لأن عائشة - رضي الله عنها - تروي أن خبر الإسراء كان من أثره أن كذب من كذب، وارتد من ارتد، وأن أباها الصديق - رضي الله عنه - صدق الخبر وأبان عن حجته في التصديق، فلو كانت ترى أن ذلك كان بالروح، أو أنه كان منامًا لما كان هناك معنى عندها للتصديق والتكذيب، ولا فتنة يفتن بها من ضعف يقينه فيرتد عن دينه؛ إذ كان لا غرابة فما يراه النائم، وإذ كان العرب يصدقون الكهان فيما يخبرونهم به عما غاب عن أبصارهم، فلم يكن لهم أن يكذبوا رجلًا يحدثهم عن رحلة روحية تكون أقرب إلى خيالات الأوهام إذا فهموا من كلامه أنه إنما أسري بروحه ثم عرج بها إلى السماء، وإنما المفهوم الواضح أنهم يكذبون من يحدثهم بشيء يرونه غير داخل تحت قدرة البشر، وشيء يعجز الإنسان بجسمه وعقله وبروحه أن يقوم به وحده.