قد اجترأ بعض الباحثين من المتقدمين والمتأخرين، فجزموا بما تردد فيه ابن إسحاق، وزعموا أن الإسراء كان بالروح، أو كان منامًا، ولم ينتبهوا إلى أنه لو كان ما زعموا صحيحًا لما جعله الله سبحانه من آيات النبوة لنبيه، ولما أثنى على نفسه بهذه المعجزة الباهرة؛ إذ قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١)} [الإسراء: ١].
ومن الغرائب أنهم احتجوا بما نقله من غير إسناد عن عائشة، ثم أخطؤوا في نقلهم خطأ ينقض حجتهم، فإن رواية ابن إسحاق عنها: ما فُقد جسد رسول الله. بالبناء للمجهول، فنقلوها: ما فقدت جسد رسول الله. فجعلوا حجتهم تحمل معول هدمها؛ لأن الثابت الصحيح أن الإسراء كان ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة، ولم تكن عائشة إذ ذاك تزيد سنها على السابعة، ولم تكن في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه لم يدخل بها إلا في المدينة بعد الهجرة، فليس من المنطق السليم أن يحكى عن لسانها أنها تقول: ما فقدت جسد رسول الله.
أيها السادة:
نقل بعض المؤلفين عن الحسن بن أبي الحسن البصري القول؛ بأن الإسراء كان منامًا، وهذا أيضًا نقل خاطئ؛ فإنه لم يرو عنه هذا