أردنا الدفاع عن شريعتنا بالهجوم على غيرها لنقلنا كلامه كله، ولكننا لا نرضى أن نسير في هذا الطريق.
إن أئمة هذا الفن - في الحديث - احتاطوا أشد الاحتياط في النقل، فكانوا يحكمون بضعف الحديث لأقل شبهة في سيرة الناقل الشخصية، أما إذا اشتبهوا في صدقه، وعلموا أنه كذب في شيء من كلامه، فقد رفضوا روايته وسموا حديثه "موضوعًا" أو "مكذوبًا" وإن لم يعرف عنه الكذب في رواية الحديث، مع علمهم بأنه قد يصدق الكذوب.
وكذلك توثقوا من حفظ كل راو، وقارنوا رواياته بعضها ببعض، وبروايات غيره، فإن وجدوا منه خطأ كثيرًا، وحفظًا غير جيد ضعفوا روايته، وإن كان لا مطعن عليه في شخصه، ولا في صدقه خشية أن تكون روايته مما خانه فيه الحفظ.
وقد حرروا القواعد التي وضعوها لقبول الحديث، وحققوها بأقصى ما في الوسع الإنساني، احتياطًا لدينهم، ونفيًا للخطأ عن سنة نبيّهم، فكانت قواعدهم التي ساروا عليها أصح القواعد للإثبات التاريخي وأعلاها وأدقها، وإن أعرض عنها كثير من الناس وتحاموها بغير علم منهم ولا بينة.
ثم جمعوا هم ومن جاء بعدهم كل ما وصل إليهم من روايات في الحديث، صحيحة أو ضعيفة، مع بيان قوتها أو ضعفها في أكثر الأحوال، وبعضهم جمع في كتابه أحاديث صحيحة واقتصر عليها، كالبخاري ومسلم، رضي الله عنهما، وكتاباهما أصح الكتب ثبوتًا