للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حجتهم واضحة ظاهرة، بل ما أظن أن أحدًا مستقيم الفكر يتصور هذا الموقف وأنه مما يجوز وقوعه: موقف رجل يدعي لنفسه صفة بين قوم يعرفونه ويعرفون أحواله طفلًا ثم شابًّا ثم رجلًا ثم كهلًا، ثم هو يقرعهم بهذه الصفة التي ينسبها لنفسه، بل يجعلها آية ومعجزة له تؤيد دعواه النبوة، ثم لا يكون صادقًا فيما وصف به نفسه من أنه لا يقرأ ولا يكتب؟

وأما ادعاء الكاتب أن وصف بعض اليهود في الآية (٧٨) من سورة البقرة بأنهم "أميون" لا يراد منه جهلهم بالقراءة والكتابة، بل يراد منه عدم معرفتهم بالكتب المنزلة، فإن هذا الرأي قد سبقه إلى نحوه بعض المفسرين، بل نقل الطبري (ج ١ ص ٢٩٦) أثرًا عن ابن عباس بتأويل الآية على معنى أنهم لم يصدقوا رسولًا أرسله الله ولا كتابًا أنزله الله، وأنه سماهم أميين؛ لجحودهم كتب الله ورسله. وهذا الأثر ضعيف الإسناد، غير ثابت النقل؛ لأنه من رواية الضحاك ابن مزاحم عن ابن عباس، والضحاك وإن كان ثقة لم يلق ابن عباس ولا غيره من الصحابة، ثم لو صح هذا لكان له وجه على سبيل المجاز، ومع ذلك فقد رده الطبري فقال: "وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم".

وإطلاق الكلمة على بعض اليهود في الآية صحيح، لأنه لم يزعم أحد أن اليهود الذين كانوا بالمدينة إذ ذاك يقرءون ويكتبون جميعًا، بل كان فيهم الكاتبون والجاهلون، ولذلك قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>