قد فتحوا مصر والشام وغيرهما من الأقطار التي كان يدين أهلها بالنصرانية، وكان أهلُ الكتاب أهلَ ذمة للمسلمين وفي حمايتهم، يرفرف عليهم عدل الإسلام ونَصَفَتُه، وكانوا يدخلون في دين الله أفواجًا راضين مختارين، مما رأوا من كرم المسلمين، بعد أن ذاقوا ألوان الظلم والعذاب من زعمائهم ورؤسائهم، ولكنه كان في أول أمره اتصالًا في الشؤون العامة الدنيوية، ولم يوجد اتصال علمي بالمعنى المفهوم إلا في أواخر القرن الثاني للهجرة تقريبًا، عند البدء في نقل كتب الأوائل إلى اللغة العربية، وكان ذلك مقصورًا على الفلسفة وفروعها والطب وما أشبه هذا، ولم تترجم إلى اللغة العربية الكتب الدينية ولا القصص (الروايات)، ولعله قد ترجم شيء من التوراة والأناجيل تراجم نادرة محصورة بين اليهود والنصارى الذين نشؤوا في الدولة العربية؛ ليسهل عليهم معرفة دينهم إذا عسر عليهم قراءتها باللغات التي كانت بها، وأما أن تكون هذه التراجم معروفة لعلماء المسلمين ودهمائهم، كما يريد الكاتب وأمثاله أن يرجفوا به: فذاك شيء غير ثابت ولا معروف في التاريخ الإسلامي، ولذلك لم يجد كاتب هذا المقال سندًا يؤيد به وجود تراجم للإنجيل إلا الترجمة التي قال عنها إنها نقلت عن السريانية، ونقل عن "جلد مستر" أنه يرى أنها ترجمت بين سنتي (٧٥٠ و ٨٥٠ م) أي بين سنتي (١٣٢ و ٢٣٥ هجرية) ويظهر من هذا أنها غير ثابتة التاريخ، وأن هذا التاريخ الذي نسبت إليه ظن فقط، ونحن لم نر هذه النسخة المترجمة، فلا نستطيع الجزم بشيء في صحة هذا النقل وهذا التاريخ أو عدم صحتهما، وأما