يصدقهم من أهل عصرهم المشاهدين الحاضرين في أنه تعلم كل هذه العلوم والشرائع من بعض القارئين والكاتبين في مكة.
وقد اتصل المسلمون بالنصارى واليهود بعد الفتح العربي للبلاد اتصالًا وثيقًا، وقامت في بعض الأوقات حرب الجدال الديني بين الفريقين واحتدمت، ومع ذلك فإنه لم يزعم أحد - فيما نعلم - من أعداء المسلمين أن القرآن مقتبس كله أو بعضه من التوراة أو الأناجيل أو الآراء المسيحية، إلا في هذه العصور المتأخرة، حينما ضعف شأن الدول الإسلامية ماديًّا، وقام المستشرقون وفي أعقابهم المبشرون بالهجوم العلمي على المسلمين، بعد أن وضعوا أيديهم على أكثر بلاد الإسلام، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)} [التوبة: ٣٢، ٣٣].
وبعد: فإن الله تعالى يقول في سورة النحل، وهي سورة مكية: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٠٥)}.
قال الفخر الرازي في تفسير هذه الآيات (ج ٤ ص ١٨٥ - ١٨٦ الطبعة الأولى ببولاق): "اعلم أن المراد من هذه الآية حكاية شبهة