وهذا البراق ليس حيوانًا كما يظن الكاتب من ظاهر لفظ "دابة" الذي عبر عنه في الأحاديث؛ لأنه من أمور الغيب التي أخبرنا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - مما وراء هذه المادة التي في متناول الحس البشري، ولا يستطيع العقل الإنساني أن يفهم مدلول هذه الأشياء الخارجة عن نطاق قوته التي منحت له: إلا بالتعبير عنها بألفاظ تدل على مدلولات مما يحس ويرى ويشعر، كما جاء وصف الجنة والنار في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وكما جاءت بعض أوصاف في الأديان السابقة، على لسان الأنبياء قبل نبينا، صلى الله عليهم أجمعين.
إن هذه الأمور الغيبية إنما أمرنا بالإيمان بها كما وردت، لا نتكلف أن نصورها بأكثر مما عبر عنها الله في كتابه أو رسوله في سنته، وقد جعل الله من أول فضائل المؤمنين أنهم {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}. فيصدقون رسولهم فيما أخبرهم، مما غاب عن حسهم، وقصرت عقولهم عن إدراكه، وليس بضارهم شيئًا أن يؤمنوا به، بل في الإيمان به كل الخير: ثقة النفس بالله، والاعتراف بقدرته وضعف الإنسان، فيتبع أوامر ربه كلها، فيما فهم وما لم يفهم، وفيما أحب وفيما كره {الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)}. [البقرة آية ١ - ٣].
والمثل على ذلك حاضرة: يأمر أحدنا طفله بأمر كله لطفله نفع