والمحدثون الذين يرميهم الأب لامنس وغيره باختراع الأحاديث، هم الذين ابتكروا أدق الطرق العلمية العقلية لنقد الأخبار المنقولة، وإثبات الصحيح منها ونفي الباطل، ومن درس آثارهم وعلومهم وفقه ما ارتضوه من ذلك أيقن في نفسه بصحة ما نقول.
ومن إبداع الأب لامنس في الإيهام أن يقول:(وكان النبي في مثل هذه الأحوال لا يرسل سوى قارئ أو اثنين فقط، الأغاني جـ ٦، ص ١٩، ٩ ... إلخ). كأنه وضع يده على نص في الأغاني بما يزعم! ! وليس في الأمر شيء من هذا، إنما يريد أن يضع في ذهن قارئ مقاله صحة ما يرمي إليه بأنه أشار إلى مستند عظيم من كتب المسلمين! وهو يعلم أن أكثر قارئيه من الإفرنج ليس بيدهم كتاب الأغاني. وقد رجعنا إلى الموضع الذي أشار إليه في الأغاني فلم نجد شيئًا، بل وجدنا في (جـ ٦، ص ٨٩ وما بعدها من طبعة الساسي) وهي توافق (ص ٩٢ وما بعدها من طبعة بولاق) أخبار أبي سفيان بن حرب، وفي أثنائها خبر إرسال النبي - صلى الله عليه وسلم - دحية بن خليفة الكلبي إلى هرقل ملك الروم. فظننت أن في هذا الموضع خطأ مطبعيًّا في (دائرة المعارف) في الطبعة الإنجليزية فطلبت إلى إخواني مترجميها أن يرجعوا إلى الطبعة الفرنسية منها، فوجدوه فيها (الأغاني جـ ٤، ص ١٩، ٩ ... إلخ). فرجعت إلى الجزء الرابع فوجدت فيه (ص ١٧ - ٣٣) قصة غزوة بدر! ولا أزال أعجب من أمر الأب لامنس في الإشارة إلى هذه المواضع، ولا أدري ماذا يريد أن يستدل به منها؟