وكان ممن ارتبط بهم محمد فؤاد عبد الباقي بصداقة وتلمذة العالم المحدث "محمد رشيد رضا"، تلميذ الإمام محمد عبده، وراعي حركة الإصلاح من بعده، وصاحب المنار التي أسدت إلى الفكر الإسلامي خدمات جليلة، وكانت مشعل نور للمسلمين الباحثين عن الهداية والطريق القويم.
ولازم "محمد فؤاد عبد الباقي" صاحب المنار منذ أن التقى به سنة (١٣٤١هـ = ١٩٢٢م) ولم يفارقه حتى وفاته، ونهل من عمله، وفتح له آفاقًا واسعة في علوم السنة، ووجه كثيرًا حتى وثق به الشيخ فكان يستعين به فيما يُعرض عليه من مسائل وقضايا.
المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي
شاء الله تعالى أن يقع في يدي الشيخ رشيد رضا النسخة الإنجليزية من كتاب "مفتاح كنوز السنة" لفنسك أستاذ اللغات الشرقية بجامعة لندن، وهو فهرست معين الباحث في الوصول إلى مكان الحديث في مصادره المشهورة، فأعجب به، ورغب في ترجمته، وعهد بهذه المهمة إلى صديقه محمد فؤاد عبد الباقي واستغرق ترجمة هذا العمل خمس سنوات من العمل الجاد حتى أتمه سنة (١٣٥٢هـ = ١٩٣٣م) على خير وجه، وكم كانت سعادة العلامتين الشيخ رشيد رضا وأحمد شاكر بإنجاز هذا العمل، وإدراك أهميته، وكان المشتغلون بالحديث يعانون معاناة شديدة في تخريج الحديث، وربما قلب أحدهم صفحات كتاب من كتب السنة حتى يعثر على الحديث.
وقبل أن يشرع الرجل في الترجمة كان قد أرسل إلى "فنسك" يطلب منه تصريحًا بالترجمة باعتباره مؤلف الكتاب، فاستجاب على الفور، وبعث له بالجزء الأول من المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الذي يقوم على إصداره مع لفيف مع المستشرقين، فلما اطلع عليه، وجد به أخطاء كثيرة ضمنها كشفًا، وأرسله إلى فنسك الذي سر لذلك، وكتب إليه يرجوه مراجعة التجارب الأخيرة للكتاب قبل الطبع، فاستجاب لرجائه، وإذا علمنا أن المعجم يقوم به أكثر من أربعين مستشرقًا في أنحاء العالم، ثم يصحح عملهم ويستدرك عليهم مجتمعين أدركنا قيمة العمل الذي كان يقوم به الرجل، وقد نوه فنسك بمشاركة "عبد الباقي" القيمة في تقدمته للمجلد الأولى من المعجم.
والمعجم المفهرس لألفاظ الحديث يقوم على إيراد الألفاظ الواردة في الحديث النبوي، وترتيبها على حروف المعجم، مع ذكر عبارة من الحديث التي وردت فيه الكلمة، فإذا أردت معرفة مصدر الحديث، كشفت عنه عن طريق أحد ألفاظه، فتردك إلى مصدره، والمصادر التي اعتمدها فنسك هي: الصحيحان صحيح البخاري وصحيح مسلم، والسنن الأربعة المعروفة، وهي سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، بالإضافة إلى مسند أحمد بن حنبل وهو أكبر كتب السنة، وسنن الدارمي وموطأ مالك.
والكتاب من الأعمال العظيمة التي خدمت السنة ويسرت الوصول إلى الحديث، في وقت لم تكن فيه الأقراص المدمجة التي تحوي عشرات الآلاف من الأحاديث، ونستخدمها الآن في الوصول إلى معرفة مصدر الحديث.