قال الإمام أحمد: فقلنا: لِمَ أنكرتم ذلك؟ قالوا: إن اللَّه لم يتكلم ولا يتكلم. إنما كوَّن شيئًا فعبر عن اللَّه، وخلق صوتًا فأسمع. وزعموا أن الكلام لا يكون إلا من جوف ولسان وشفتين.
قلنا: هل يجوز لمكون أو غير اللَّه أن يقول: {يَامُوسَى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: ١١، ١٢]؟ ! أو يقول: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (١٤)} [طه: ١٤] فمن زعم ذلك، فقد زعم أن غير اللَّه ادعى الربوبية، كما زعم الجهم أن اللَّه كون شيئًا، كان يقول ذلك المكون: {يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٣٠)} [القصص: ٣٠] وقد قال جل ثناؤه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤)} [النساء: ١٦٤].
فأما ما قالوا: إن اللَّه لا يتكلم. فكيف يصنعون بحديث الأعمش، عن خيثمة، عن عدي بن حاتم الطائي: قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ما بينه وبينه ترجمان"(١)؟ !
وأما قولهم: إن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم وشفتين ولسان. أليس اللَّه قال للسموات والأرض: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١)} [فصلت: ١١]؟ ! أتراها أنها قالت بجوف وفم وشفتين ولسان وأدوات؟ ! وقال:{وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ}[الأنبياء: ٧٩]. أتراها سبحت
(١) رواه الإمام أحمد ٤/ ٢٥٦، والبخاري (٦٥٣٩)، ومسلم (١٠١٦) ٦٧.