وقال القاضي أبو يعلى: غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في إثبات الذراعين والصدر إذ ليس في ذلك ما يُحيل صفاته، ولا يخرجها عما تستحقه، لأنا لا نُثبت ذراعين وصدرًا هي جوارح وأبعاض، بل نُثبت ذلك صفة كما أثبتنا اليدين والوجه والعين والسمع والبصر، وإن لم نعقل معناه. فإن قيل: عبد اللَّه بن عمرو لم يرفعه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وإنما هو موقوف عليه فلا يلزم الأخذ به. قيل: إثبات الصفات لا يؤخذ إلا توقيفًا؛ لأن لا مجال للعقل والقياس فيها، فإذا رُوي عن بعض الصحابة فيه قول علم أنهم قالوه توقيفًا. فإن قيل: فقد قيل إن عبد اللَّه بن عمرو أصاب وسقين يوم اليرموك، وكان فيها من كتب الأوائل مثل "دانيال" وغيره، فكانوا يقولون له إذا حدثهم: حدثنا ما سمعت من رسول اللِّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا تحدثنا من وسقيك يوم اليرموك. فيحتمل أن يكون هذا القول من جملة تلك الكتب فلا يجب قبوله، وكذلك كان وهب بن منبه يقول: إنما ضل من ضل بالتأويل، ويرون في كتب "دانيال" أنه لما علا إلى السماء السابعة فانتهوا إلى العرش رأى شخصًا ذا وفرة فتأول أهل التشبيه على أن ذلك ربهم وإنما ذلك إبراهيم. قيل: هذا غلط لوجهين: أحدهما أنه لا يجوز أن يظن به ذلك؛ لأن فيه إلباس في شرعنا، وهو أنه يروي لهم ما يظنوه شرعًا لنا، ويكون شرعًا لغيرنا، ويجب أن نُنزه الصحابة عن ذلك. والثاني: إن شرعنا وشرع غيرنا سواء في الصفات؛ لأن صفاته لا تختلف باختلاف الشرائع. =