قال الشيخ سليمان بن عبد اللَّه: ذكر بعض المتأخرين أن التبرك بآثار الصالحين مستحب كشرب سؤرهم والتمسح بهم أو بثيابهم، وحمل المولود إلى أحد منهم ليحنكه بتمرة حتى يكون أول ما يدخل جوفه ريق الصالحين، والتبرك بعرقهم، ونحو ذلك، وقد أكثر من ذلك أبو زكريا النووي في "شرح مسلم" في الأحاديث التي فيها أن الصحابة فعلوا شيئًا من ذلك مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وظن أن بقية الصالحين في ذلك كالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهذا خطأ صريح لوجوه: منها: عدم المقاربة فضلًا عن المساواة للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الفضل والبركة. ومنها: عدم تحقق الصلاح؛ فإنه لا يتحقق إلا بصلاح القلب، وهذا أمر لا يمكن الاطلاع عليه إلا بنص كالصحابة الذين أثنى اللَّه عليهم ورسوله، أو أئمة التابعين، أو من شهر بصلاح ودين كالأئمة الأربعة ونحوهم من الذين تشهد لهم الأمة بالصلاح، وقد عدم أولئك، أما غيرهم فغاية الأمر أن نظن أنهم صالحون، ونرجو لهم. ومنها: أنا لو ظننا صلاح شخص فلا نأمن أن يختم له بخاتمة سوء، والأعمال بالخواتيم، فلا يكون أهلًا للتبرك بآثاره. ومنها: أن الصحابة لم يكونوا يفعلون ذلك مع غيره لا في حياته ولا بعد موته، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، فهلا فعلوه مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ونحوهم من الذين شهد لهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالجنة، وكذلك التابعون هلا فعلوا مع سعيد بن المسيب وعلى بن الحسين وأويس القرني والحسن البصري ونحوهم ممن يقطع بصلاحهم، فدل أن ذلك مخصوص بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. ومنها: أن فعل هذا مع غيره صلى اللَّه عليه وسلم لا يؤمن أن يفتنه وتعجبه نفسه، فيورثه العجب والكبر والرياء فيكون هذا كالمدح في الوجه، بل أعظم. اهـ "تيسير العزيز الحميد" ص ١٥٣ - ١٥٤.