وأن يضربك ضربا بعد ضرب، وأن يلقيك في موضع لا ترى فيه الشمس، أليس قال اللَّه تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} أفيكون مجعولا إلا مخلوقا؟
قال أبي: فقلت: فقد قال اللَّه تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} أفخلقهم؟ !
قال: فقال: اذهبوا به. قال أبي: فأنُزلت إلى شاطئ دجلة، فأحدرت إلى الموضع المعروف بباب البستان، ومعي بغا الكبير ورسول من قبل إسحاق، فقال بغا لمحمد الحارس بالفارسية: ما يريدون من هذا؟
قال: يريدون منه أن يقول: القرآن مخلوق.
فقال: ما أعرف شيئا من هذا إلا قول: لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا رسول اللَّه، وقرابة أمير المؤمنين من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
قال أبي: فلما صرنا إلى الشط، أخرجت من الزورق، وحملت على دابة، والأقياد عليَّ، وما معي أحد يمسكني، فجعلت أكاد أخِرُّ على وجهي حتى انتهى بي إلى الدار، فأُدخلت ثم خُرج بي إلى حجرة، فصيرت في بيت منها، وأغلق علي الباب، وأقعد عليه رجل، وذلك في جوف الليل، وليس في البيت سراج، فاحتجت إلى الوضوء، فمددت يدي أطلب شيئا، فإذا بإناء فيه ماء وطست، فتهيأت للصلاة، وقمت أصلي.
فلما أصبحت جاءني الرسول، فأخذ بيدي فأدخلني الدار، وإذا هو جالس، وابن أبي دؤاد حاضر، وقد جمع أصحابه والدار غاصة بأهلها، فلما دنوت منه سلمت، فقال: أدنه، أدنه.
فلم يزل يدنيني حتى قربت منه، ثم قال لي: اجلس. فجلست. وقد أثقلتني الأقياد، فلما مكثت هنيهة، قلت: تأذن في الكلام.