يَعْنِي قَاضِي خَانْ: يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ الرَّدُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ خَلْطَ الدَّرَاهِمِ خَلْطًا يَتَعَذَّرُ تَمَيُّزُهَا اسْتِهْلَاكٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ: لَكِنَّ الرَّدَّ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ إنْ لَوْ كَانَ الْمَرْدُودُ غَيْرَ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ، وَفِيهِ شَكٌّ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ.
قَالَ لِلدَّائِنِ: خُذْ دَرَاهِمَك فَقَالَ: ادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ وَعَيَّنَهُ فَدَفَعَ وَمَاتَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ، فَلِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يُطَالِبَ الْمَدْيُونَ بِدَيْنِهِ.
قَالَ أُسْتَاذُنَا: وَقَعَتْ وَاقِعَةٌ فِي زَمَانِنَا أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَشْتَرِي الذَّهَبَ الرَّدِيءَ زَمَانًا؛ الدِّينَارَ بِخَمْسَةِ دَوَانِيقَ ثُمَّ تَنَبَّهَ فَاسْتَحَلَّ مِنْهُمْ فَأَبْرِئُوهُ عَمَّا بَقِيَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ مُسْتَهْلَكًا، فَكَتَبْت أَنَا وَغَيْرِي: إنَّهُ يَبْرَأُ وَكَتَبَ رُكْنُ الدِّينِ الوانجاني: الْإِبْرَاءُ لَا يَعْمَلُ فِي الرِّبَا؛ لِأَنَّ رَدَّهُ بِحَقِّ الشَّرْعِ، وَقَالَ: بِهِ أَجَابَ نَجْمُ الْأَئِمَّةِ الْحَكِيمِيُّ مُعَلِّلًا بِهَذَا التَّعْلِيلِ وَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْته عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَعَزَبَ مِنْ ظَنِّي أَنَّ الْجَوَابَ كَذَلِكَ مَعَ تَرَدُّدٍ فَكُنْت أَطْلُبُ الْفَتْوَى لِأَمْحُوَ جَوَابِيَّ عَنْهُ، فَعَرَضْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى عَلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْحَنَّاطِيِّ.
فَأَجَابَ: إنَّهُ يَبْرَأُ إذَا كَانَ الْإِبْرَاءُ بَعْدَ الْهَلَاكِ، وَغَضِبَ مِنْ جَوَابِ غَيْرِهِ: إنَّهُ لَا يَبْرَأُ، فَازْدَادَ ظَنِّي بِصِحَّةِ جَوَابِي، وَلَمْ أَمْحُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ مَا ذَكَرَهُ الْبَزْدَوِيُّ فِي عَنَاءِ الْفُقَهَاءِ مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَجُمْلَةِ الْعُقُودِ الرِّبَوِيَّةِ يَمْلِكُ الْعِوَضَ فِيهَا بِالْقَبْضِ قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ فَضْلُ الرِّبَا مَمْلُوكًا لِلْقَابِضِ بِالْقَبْضِ، فَإِذَا اسْتَهْلَكَهُ عَلَى مِلْكِهِ ضَمِنَ مِثْلَهُ فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ وَرَدَّ مِثْلَهُ يَكُونُ ذَلِكَ رَدَّ ضَمَانِ مَا اسْتَهْلَكَهُ لَا رَدَّ عَيْنِ مَا اسْتَهْلَكَهُ وَبِرَدِّ ضَمَانِ مَا اسْتَهْلَكَ لَا يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ السَّابِقُ بَلْ يَتَقَرَّرُ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ فِي فَصْلِ الرِّبَا فَلَمْ يَكُنْ فِي رَدِّهِ فَائِدَةُ نَقْضِ عَقْدِ الرِّبَا فَكَيْفَ يَجِبُ ذَلِكَ حَقًّا لِلشَّرْعِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَجِبُ حَقًّا لِلشَّرْعِ رَدُّ عَيْنِ الرِّبَا إنْ كَانَ قَائِمًا لَا رَدُّ ضَمَانِهِ. هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي الْمُدَايِنَاتِ مِنْ الْقُنْيَةِ. هَذَا آخِرُ مَا أَرَدْنَا إيرَادَهُ مِنْ الضَّمَانَاتِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتِ وَتَنْزِلُ الْبَرَكَاتِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أَفْضَلِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ وَعَلَى آلِهِ الْكُمَّلِ السَّادَاتِ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الطَّاهِرَاتِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ الْقَادَاتِ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إلَى أَنْ تُبْعَثَ الْأَمْوَاتُ وَتُزَخْرَفَ الْجَنَّاتُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute