وَفِي مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ لَوْ قَالَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرِكُ: سُرِقَ أَوْ هَلَكَ صُدِّقَ مَعَ حَلِفِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ ضَمَانٍ عِنْدَهُمَا فَلَا يُصَدَّقُ بِلَا بُرْهَانٍ قُلْتُ: إنَّمَا يَنْفَعُ الْبُرْهَانُ عِنْدَهُمَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لِمَا مَرَّ فَلَا تَغْفُلُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا دَفَعَ الْأَجْرَ أَوْ لَا غَيْرَ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ يَسْتَرِدُّ مَا دَفَعَ وَإِنْ امْتَنَعَ الْخَصْمُ ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّة وَيَضْمَنُ بِالْإِنْفَاقِ مَا يَتْلَفُ بِعَمَلِهِ كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ وَزَلْقِ الْحَمَّالِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مُزَاحِمَةِ النَّاسِ وَانْقِطَاعِ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ الْمُكَارِي الْحِمْلَ وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهَا.
قَالَ فِي الْوَجِيزِ: الْأَجِيرُ الْمُشْتَرِكُ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا جَنَتْ يَدُهُ بِشَرَائِطَ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا:
أَنْ يَكُونَ فِي وُسْعِهِ دَفْعُ ذَلِكَ الْفَسَادِ حَتَّى لَوْ غَرِقَتْ السَّفِينَةُ مِنْ مَوْجٍ أَوْ جَبَلٍ صَدَمَهَا أَوْ زَلِقَ الْحَمَّالُ إذَا زَحَمَهُ النَّاسُ وَانْكَسَرَ الدَّنُّ أَوْ مَاتَ الْمَخْتُونُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَحْمَلُ عَمَلِهِ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِالتَّخْلِيَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ مَعَهُ أَوْ وَكِيلُهُ بِأَنْ كَانَ رَاكِبًا فِي السَّفِينَةِ فَانْكَسَرَتْ بِجَذْبِ الْمَلَّاحِ أَوْ كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ فَعَطِبَتْ مِنْ سُوقِهِ أَوْ رَبِّ الْمَتَاعِ وَالْمُكَارِي رَاكِبِينَ أَوْ سَائِقِينَ أَوْ قَاعِدِينَ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ خَلْفَ الدَّابَّةِ وَلَا يَسُوقُهَا الْأَجِيرُ فَعَطِبَتْ فَهَلَكَ الْمَتَاعُ يَضْمَنُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ سُرِقَ الْمَتَاعُ مِنْ رَأْسِ الْحَمَّالِ وَرَبُّ الْمَالِ مَعَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُونُ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَ بِالْعَقْدِ قُلْتُ: وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَلَا يَضْمَنُ بَنِي آدَمَ مِمَّنْ غَرَقَ فِي السَّفِينَةِ يَعْنِي مِنْ مَدِّهِ أَوْ سَقَطَ مِنْ الدَّابَّةِ وَإِنْ كَانَ بِسَوْقِهِ وَقَوْدِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ أَجِيرَ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ فِي الْمُدَّةِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ وَالْأَجْرُ مُقَابِلٌ لِلْمَنَافِعِ وَلِهَذَا يَبْقَى الْأَجْرُ مُسْتَحَقًّا وَإِنْ نَقَصَ الْعَمَلُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَلَا فِيمَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ اتِّفَاقًا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْفَسَادَ ذَكَرَهُ فِي الْإِصْلَاحِ نَقْلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ قَالَ فِي الْفُصُولَيْنِ نَقْلًا عَنْ التَّجْرِيدِ: الْأَجِيرُ الْخَاصُّ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي وَعَلَى هَذَا تِلْمِيذُ الْقَصَّارِ وَسَائِرُ الصُّنَّاعِ وَأَجِيرُهُمْ لَمْ يَضْمَنُوا إلَّا بِالتَّعَدِّي وَفِيمَا لَمْ يَتَعَدَّوْا ضَمِنَ الْأُسْتَاذُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ اهـ.
لَوْ هَلَكَ الْمَتَاعُ فِي يَدِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ وَضَمِنَ الْقِيمَةَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِهَا كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ الْقُنْيَةِ.
[النَّوْع الْأَوَّل ضمان الرَّاعِي والبقار]
ثُمَّ الْأُجَرَاءُ يَتَنَوَّعُونَ أَيْضًا بِتَنَوُّعِ الْعَمَلِ فَلْنَذْكُرْ مَسَائِلَ كُلِّ وَاحِدٍ فِي نَوْعٍ يَخْتَصُّ بِهِ تَسْهِيلًا لِلِاسْتِخْرَاجِ.
(النَّوْعُ الْأَوَّلُ ضَمَانُ الرَّاعِي وَالْبَقَّارِ)
الرَّاعِي قَدْ يَكُونُ أَجِيرَ وَحْدٍ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ شَهْرًا لِيَرْعَى غَنَمَهُ بِدِرْهَمٍ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى غَنَمَهُ بِدِرْهَمٍ شَهْرًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْعَى غَنَمَ غَيْرِهِ وَقَدْ يَكُونُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى غَنَمَهُ بِدِرْهَمٍ شَهْرًا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَرْعَى غَنَمَ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَتَى قُدِّمَ ذِكْرُ الْعَمَلِ عَلَى الْوَقْتِ يَكُونُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْعَقْدَ عَلَى الْوَقْتِ مِنْ الْوَجِيزِ.
وَفِي الْفُصُولَيْنِ لَوْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُك لِرَعْيِ غَنَمِي هَذِهِ سَنَةً كَامِلَةً كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا يَكُونُ الرَّاعِي أَجِيرًا مُشْتَرَكًا إلَّا إذَا صَرَّحَ بِمَا هُوَ حُكْمُ أَجِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute