لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ الْوَدِيعَةُ كَالْعَارِيَّةِ.
إذَا طَلَبَ الْمُعِيرُ الْعَارِيَّةَ فَلَمْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ حَتَّى هَلَكَتْ يَضْمَنُ وَلَوْ قَالَ: دَعْهَا عِنْدِي فَتَرَكَهَا فَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ.
وَلَوْ طَلَبَ الْعَارِيَّةَ فَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ: نَعَمْ أَدْفَعُ وَفَرَّطَ حَتَّى مَضَى شَهْرٌ ثُمَّ سُرِقَ إنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الرَّدِّ وَقْتَ الطَّلَبِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا فَإِنْ أَظْهَرَ الْمُعِيرُ السُّخْطَ وَالْكَرَاهِيَةَ فِي الْإِمْسَاكِ أَوْ سَكَتَ يَضْمَنُ وَكَذَا إذَا لَمْ يُظْهِرْ السُّخْطَ وَالرِّضَا؛ لِأَنَّ الرِّضَا لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ وَإِنْ صَرَّحَ بِالرِّضَا فَإِنْ قَالَ: لَا بَأْسَ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ وَهُوَ لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى ضَاعَ إنْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً لَا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ فَمَضَى الْوَقْتُ وَلَمْ يَرُدَّ يَضْمَنُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِمَنْفَعَةٍ بِأَنْ اسْتَعَارَ قَدُومًا لِكَسْرِ الْحَطَبِ فَكَسَرَ وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى ضَاعَ ضَمِنَ اهـ.
[النَّوْعُ الْأَوَّلُ ضَمَانُ الدَّوَابِّ]
هَذَا هُوَ الْكَلَامُ الْكُلِّيُّ الْإِجْمَالِيُّ فِي الْعَارِيَّةِ وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فَنَقُولُ: إنَّ مَسَائِلَ الْبَابِ تَتَنَوَّعُ فَلْنَذْكُرْ مَسَائِلَ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ.
(النَّوْعُ الْأَوَّلُ ضَمَانُ الدَّوَابِّ)
اسْتَعَارَ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا لَهُ أَنْ يَحْمِلَ وَيُعِيرَ غَيْرَهُ لِلْحِمْلِ وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ وَيُرْكِبَ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ الرُّكُوبُ مُخْتَلِفًا لِأَنَّهُ لَمَّا أَطْلَقَ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ حَتَّى لَوْ رَكِبَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ رُكُوبُهُ وَإِذَا أَرْكَبَ غَيْرَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ حَتَّى لَوْ فَعَلَهُ ضَمِنَ.
اسْتَعَارَ دَابَّةً فَرَدَّهَا إلَى إصْطَبْلِ مَالِكِهَا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْلِيمِ الْمُتَعَارَفِ لِأَنَّ رَدَّ الْعَوَارِيّ إلَى دَارِ الْمَالِكِ مُعْتَادٌ كَآلَةِ الْبَيْتِ.
وَلَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَرَدَّهَا مَعَ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ لَمْ يَضْمَنْ وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ الْأَجِيرُ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فَلَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا بِيَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الْأَجِيرِ مُيَاوَمَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ وَكَذَا إذَا رَدَّهَا مَعَ عَبْدِ رَبِّهَا أَوْ أَجِيرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَرْضَى بِهِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ رَدَّهَا إلَيْهِ فَهُوَ يَرُدُّهَا إلَى عَبْدِهِ وَقِيلَ: هَذَا فِي الْعَبْدِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى الدَّوَابِّ وَقِيلَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ رَدَّهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ ضَمِنَ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ قَصْدًا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْإِعَارَةِ وَأَوَّلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِانْتِهَاءِ الْإِعَارَةِ لِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَصَارَ مُودَعًا أَمِينًا عَنْهُ وَالْمُودَعُ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ.
وَلَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً إلَى الْحِيرَةِ فَجَاوَزَ بِهَا إلَى الْقَادِسِيَّةِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى الْحِيرَةِ فَنَفَقَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ، هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّ الْأَخِيرَةَ مِنْ الْإِجَارَةِ مِنْهَا.
اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلْحِمْلِ لَهُ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْحِمْلِ.
وَلَوْ اسْتَعَارَهَا لِلرُّكُوبِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الرَّاكِبَ كَانَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهَا غَيْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ لَا بَعْدَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ بَعْدَمَا رَكِبَ غَيْرُهُ فَإِنْ رَكِبَ نَصَّ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَخُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا هُوَ لَا يُعِيرُ غَيْرَهُ مِنْ الصُّغْرَى.
وَلَوْ رَدَّهَا إلَى أَحَدٍ مِمَّنْ فِي عِيَالِ الْمُعِيرِ فَضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ وَكَذَا لَوْ رَدَّهَا إلَى مَرْبِطِهِ أَوْ إلَى مَنْزِلِهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فِي يَدِهِ حُكْمًا فَحَصَلَ الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ مَعْنًى.
اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا فَرَكِبَ وَأَرْكَبَ غَيْرَهُ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا.
اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا خَمْسَةَ عَشَرَ مَخْتُومًا فَهَلَكَتْ الدَّابَّةُ يَضْمَنُ ثُلُثَ قِيمَتِهَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَعَارَهَا لِيَطْحَنَ بِهَا