للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَزَلِقَتْ فِيهَا بَهِيمَةٌ لَا يَضْمَنُ.

نَقَبَ مَوْضِعًا مِنْ حَوْضٍ لِسَقْيِ الْمَاءِ فَوَقَعَ فِيهِ أَعْمَى فَتَلِفَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ كَمَنْ وَضَعَ قَنْطَرَةً عَلَى نَهْرِ الْعَامَّةِ وَهَلَكَ بِهَا شَيْءٌ يَضْمَنُ، وَقَالَ الْقَاضِي بَدِيعُ الدِّينِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ بِرَفْعِ الْمَاءِ وَلَا يَتَهَيَّأُ لَهُ إلَّا بِالنَّقْبِ مِنْ جِنَايَاتِ الْقُنْيَةِ.

أَرْسَلَ فِي أَرْضِهِ مَاءً لَا تَحْتَمِلُهُ أَرْضُهُ فَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَأَفْسَدَ مَا فِيهَا مِنْ الزَّرْعِ كَانَ ضَامِنًا وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ أَرْضَهُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ الْمَاءَ لَا يَضْمَنُ مِنْ فَصْلِ النَّارِ مِنْ قَاضِي خَانْ.

صَبِيٌّ بَالَ عَلَى سَطْحٍ فَنَزَلَ مِنْ الْمِيزَابِ وَأَصَابَ ثَوْبًا فَأَفْسَدَهُ غَرِمَ الصَّبِيُّ مِنْ الْفُصُولَيْنِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى عَلَى مَنْ صَبَّ الْمَاءَ الْحَارَّ عَلَى رَأْسِ إنْسَانٍ حَتَّى ذَهَبَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَعَقْلُهُ وَشَعْرُهُ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ، وَلَوْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَاب فِي مَسَائِل الْجِنَايَاتِ وَفِيهِ سَبْعَة فُصُولٍ]

[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْجِنَايَةِ بِالْيَدِ مُبَاشَرَةً وَتَسَبُّبًا]

(الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ فِي مَسَائِلِ الْجِنَايَاتِ) الْجِنَايَةُ لُغَةً: اسْمٌ لِمَا يَجْتَنِيه الْمَرْءُ مِنْ شَرٍّ اكْتَسَبَهُ. وَفِي الشَّرْعِ: اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي مَالٍ، أَوْ فِي نَفْسٍ لَكِنْ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ يُرَادُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْجِنَايَةِ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ ذَكَرَهُ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ آخِذًا مِنْ التَّبْيِينِ وَيَشْتَمِلُ هَذَا الْبَابُ عَلَى سَبْعَةِ فُصُولٍ

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْجِنَايَةِ بِالْيَدِ مُبَاشَرَةً وَتَسَبُّبًا) الْمُبَاشِرُ ضَامِنٌ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَلَمْ يَتَعَدَّ، وَالْمُتَسَبِّبُ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّ، فَلَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى هَدَفٍ فِي مِلْكِهِ فَأَصَابَ إنْسَانًا ضَمِنَ.

وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ضَمِنَ.

وَلَوْ سَقَطَ إنْسَانٌ مِنْ حَائِطٍ عَلَى إنْسَانٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَتَلَهُ كَانَ ضَامِنًا دِيَةَ الْمَقْتُولِ بِمَنْزِلَةِ نَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا.

وَلَوْ مَاتَ السَّاقِطُ بِمَنْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَاشِيًا فِي الطَّرِيقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ سُقُوطِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَاقِفًا فِي الطَّرِيقِ قَائِمًا، أَوْ قَاعِدًا، أَوْ نَائِمًا كَانَ دِيَةُ السَّاقِطِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْوُقُوفِ فِي الطَّرِيقِ وَالْقُعُودِ وَالنَّوْمِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لِمَا تَلِفَ بِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِي الْوُقُوفِ وَالنَّوْمِ فِي مِلْكِهِ وَعَلَى الْأَعْلَى ضَمَانُ الْأَسْفَلِ، وَإِنْ مَاتَ الْأَسْفَلُ بِهِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْأَعْلَى مُبَاشِرٌ قَتْلَ الْأَسْفَلِ وَفِي الْمُبَاشَرَةِ الْمِلْكُ وَغَيْرُ الْمِلْكِ سَوَاءٌ كَأَنْ نَامَ فِي مِلْكِهِ فَانْقَلَبَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ كَانَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ فِي قَتْلِهِ مِنْ قَاضِي خَانْ.

وَلَوْ رَمَى شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ، أَوْ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ وَجَبَتْ الدِّيَةُ، وَكَذَا لَوْ أَغْرَقَ صَبِيًّا فِي الْبَحْرِ تَجِبُ الدِّيَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يُقْتَصُّ مِنْهُ.

وَإِذَا الْتَقَى صَفَّانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فَقَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ظَنَّ أَنَّهُ مُشْرِكٌ فَلَا قَوَدَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ هَذَا إذَا كَانُوا مُخْتَلِطِينَ وَإِنْ كَانَ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ لِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ بِتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ.

وَمَنْ شَجَّ نَفْسَهُ وَشَجَّهُ رَجُلٌ وَعَقَرَهُ أَسَدٌ وَأَصَابَتْهُ حَيَّةٌ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْأَسَدِ ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْحَيَّةِ وَالْأَسَدِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِكَوْنِهِ هَدَرًا

<<  <   >  >>