للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه الجنة هي محبة الله تعالى، ومعرفته ودوام ذكره، والسكون إليه، والطمأنينة إليه وإفراده بالحب، والخوف، والرجاء، والتوكل، والمعاملة، بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإراداته، هو جنة الدنيا، والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو قرة عين المحبين، وحياة العارفين.

ولو لم يكن للموحد جزاء إلا ما يحصله في عاجلة من اللذة والانشراح والراحة والطمأنينة والأنس والبهجة، لكفى به جزاءً، وكفى بفوته حسرة وعقوبة، فوالله، ثم والله ما طابت الدنيا إلا بمعرفته ومحبته وطاعته، وما طابت الجنة إلا برؤيته ومشاهدته، وأهل الدنيا هم المساكين خرجوا منها وماذا ذاقوا أطيب فيها (١) وهم وإن هملجت بهم البراذين، وطقطقت بهم البغال، إن أثر ذل المعصية لفي قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه (٢) .


(١) انظر جميع ذلك في الوابل الصيب من الكلم الطيب: (٦٣-٦٢) ، وذكر بعضه في إغاثة اللهفان: (١/٧٢) .
(٢) هو من كلام الحسن البصري – عليه رحمة الله تعالى – كما في إغاثة اللهفان: (٢/١١٨) وروضة المحبين: (١٠٢) ، والبرذون: الدابة معروف، والأنثى برذونة، وجمعه: براذين – والبراذين من الخيل: ما كان من غير نتاج العراب، انظر لسان العرب – فصل الباء من حرف النون: (١٦/١٩٥) ، وقال السخاوي في فتح المغيث: (١/٢٨٠) هو الجافي الخلقة الجَلْد على السير في الشعاب والوعر، من الخيل غير العربية، وأكثر ما يجلب من بلاد الروم، أهـ ويعرف عندنا ببلاد الشام بالكديش، وقال المطرزي في المغرب: البرذون: التركي من الخيل، وانظر تهذيب اللغة: (٥/٥٥) والمخصص لابن سيده: (٦/٢٠٥) ، والهملجة والهملاج: حسن سير الدابة في سرعة وبخترة كما في اللسان "همج" (٣/٢١٧) ، والطقطقة: صوت قوائم الخيل على الأرض الصلبة كما في اللسان (طقق) : (١٢/٩٥) .