للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

.. ثبت في سنن ابن ماجه ومستدرك الحاكم وصحيح ابن حبان من حديث جابر بن عبد الله، والحديث رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [إن روح القُدُس نفث في رُعي (١) أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأَجمِلوا في الطلب] أي ترفقوا بأنفسكم في طلب الرزق فلا داعي للحرص ولا للحماقة ولا للتعب ولا للنصب ولا نقول اجلس في بيتك فأنت مطالب بالسعي لكن ليس بالركض قال تعالى (فامشوا في مناكبها) ولم يقل اركضوا في مناكبها وأسرعوا، بل امشوا ببطء وتؤدة وسكينة، والله لو قدر عليك الغنى لو قلبت الحجر لوجدت تحته ذهباً ولو قدر عليك الفقر، لو أعطيت الذهب لضاع منك.

... ولذلك قال أئمتنا:

كم من قويٍ قويٌ في تقلبه ... مهذب الرأي عنه الرزق ينحرفُ (٢)

وكم من ضعيفٍ ضعيفٌ في تقلبه ... كأنه من خليج البحر يغترفُ (٣)

هذا دليل على أنه الإله له ... في الخلق سر خفي ليس ينكشفُ (٤)

وحقيقة هذا موجود بيننا ترى الذي شكله قوي وألمعي لكنه لا يحصل من المال والرزق شيئاً وآخر تراه هزيلاً بليداً لكنه يحصل من الرزق والخير الشيء الكثير.

رحمة الله على الإمام الشافعي عندما يقول:

تجوع الأسد في الغابات جوعاً ... ولحم الضأن تأكله الذئاب

وكم عبدٍ ينام على حرير ... وذو نسب مفارشه التراب

وكان يقول مخبراً عن نفسه عليه رحمة الله:

علىَّ ثياب لو تقاس جميعها ... بفلس لكان الفلس منهن أكثر


(١) الرّوع بفتح الراء الخوف قال تعالى (فلما ذهب عن إبراهيم الروع) ، وبضمها القلب، أي أوحى إلى جبريل وألقى في قلبي هذا.
(٢)) قوي في تقلبه: أي قوي البدن سديد الرأي ذكي لكن الرزق عنه مصروف فلا يحصل قوته إلا بتعب.
(٣) أي كأنه يغترف من الأموال كما لو كان يغترف من البحر، لكن لو نظرت إليه لقلت هذا لن يحصل تمرة على حسب جهده وعمله.
(٤) أي لا أحد يكشف سر الله وهو القدر (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) .