٩) الحجة التاسعة: قالوا إن الله أشهد كل واحد على نفسه واحتج عليهم بتلك الشهادة وهذه الشهادة التي يحتج بها عليهم هي ما ركز في فطرهم، ولذلك قال الله تعالى (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) .
والجواب عن هذا: نقول وكذلك الشهادة التي شهدوا بها في عالم الذر يحتج بها ربنا علينا فقال في هذه الآية (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) ، فإن قيل: إن كثيراً من الناس لا يستحضرونها، أو كل الناس لا يعلمونها، نقول: إذا أعلمهم الرسل بها فصارت كما لو علموها كدليل الفطرة كما تقدم معنا.
١٠) الحجة العاشرة: قالوا: إن الله جل وعلا بعد أن ذكر هذا الميثاق قال: (وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون) والآيات جمع آية والآية هي الدلالة الواضحة البينة التي لا يختلف عنها مدلولها، ودليل الفطرة لا يختلف عنها مدلوله. وهو الإقرار بأن الله ربهم وخالقهم.
والجواب عن هذا: كم من إنسان يقر بفطرته بأن الله خلقه لكنه يجحده؟ فإذن لا يلزم من الإقرار الفطري أن يعبده ولا يلزم من الإقرار في عالم الذر أن يعبده وعليه فهذه الحجج كلها لا تقوم ولا تنهض، بل هي مجرد تكلف في أن المراد من الآية ميثاق الفطرة لا ميثاق عالم الذر.
المواثيق الثلاثة وحجج الله على عباده التي أقامها عليهم انتهينا منها وعندنا تعليق يسير على هذا المبحث.
الميثاق الفطري لا ينكره أحد فهذا موجود في الفطرة هو غريزة من الغرائز الموجودة في الإنسان، فالعباد فيهم غرائز يقومون بموجبها لأفعال في هذه الحياة منها غريزة التدين أو غريزة الجنس أو غريزة حب التملك، لذلك فالغريزة أصوات إلهية تقود المخلوقات بأسرها إلى إيجاد ما جعله الله فيها (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) .