بما حصل من حاطب واستحضر الكتاب الذي أرسله مع امرأة وقد وضعته في ضفائر شعرها قال له نبينا -عليه الصلاة والسلام- ما حملك على ما صنعت فقال له: كل واحد من أصحابك له أهل وعشيرة هناك، وأما أنا فكنت ملصقا فيهم وليس لي من يحمي أهلي فأردت أن أتخذ يداً عندهم لئلا يؤذوا أهلي فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- صدقت فقال سيدنا عمر الفاروق -رضي الله عنه-: دعني أضرب عنقه يا رسول الله فقد نافق فقال يا عمر وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم - فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يبرر فعل حاطب، وأنه مغفور له، وأن هذه الزلة لا تضره لأنه شهد بدرا.
والأحاديث في أهل بدر كثيرة، وفيرة، فما قاله شيخ الإسلام الإمام ابن الجوزي مردود بعيد وأبعد منه ما قاله الإمام الرازي في تفسيره في ٢٤/١٩٢ قال معنى الحديث اعملوا ما شئتم من النوافل والفضائل والمستحبات فقد غفرت لكم، وكما قلت غفلة عن سبب ورود الحديث إنما المراد اعملوا ما شئتم، أي مهما جرى منكم من زلات وهفوات لا تنفك عنها طبيعة المخلوقات، فذلك مغفور بفضل رب الأرض والسموات، وهكذا الصيام والقيام وقيام ليلة القدر إذا وقع شيء من ذلك عند الله مقبولا غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر تحفظ من الذنوب وتلقى بالإيمان علام الغيوب، وإذا وقع منك شيء من الهفوات والزلات فيقع ذلك مكفراً بفضل رب الأرض والسموات.
إخوتي الكرام: لكنَّ هذه الفضيلة كما قلت لا ينالها إلا من قبل صيامه وقيامه وقيامه لليلة القدر وأما إذا رد الصيام على الصائم وضرب به وجهه فهو لأن يعاقب أولى من أن يثاب وكل واحد منا يعرف صيامه ويعرف قيامه ويعرف تحريه لليلة القدر والإنسان على نفسه بصيرة، ونسأل الله أن يتوب علينا.