للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{قل ما كنت بدعاً من الرسل،} ما كنت مُبتَدَعاً مخترعاً لا مثيل لي وما كنت مُبتَدَعاً دعوة ما بلَّغها من قبلي {قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} وهكذا استعملت هذه المادة أيضاً فيما اخترعه بنو إسرائيل من عبادة لم يأذن بها ربنا الجليل، كما أشار إلى ذلك ربنا المجيد في سورة الحديد فقال جل وعلا: {ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتدٍ وكثيرٌ منهم فاسقون * ثم قفَّينا على آثارهم برسلنا وقفَّينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها * فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون} (١) .

{ورهبانيةً ابتدعوها} نُصبَت بفعل محذوف يفسره المذكور، وليست معطوفة على محمول قوله {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفةً ورحمةً ورهبانيةً} : أي ما جعل الله هذا في قلوبهم ولا شرعه لهم ولا أمرهم به، إنما جعل في قلوبهم رأفةً ورحمةً، وابتدعوا رهبانيةً ابتدعوها، أي اخترعوها وأنشأوها وما أمروا بها.

{ورهبانيةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم} لكن هم اخترعوا تلك الرَّهبانية {ابتدعوها ما كتبناها عليهم} لكن هم ابتدعوا ذلك واخترعوه تقرباً إلى الله جل وعلا على حسب زعمهم، {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم} لكن {ابتدعوها ابتغاء رضوان الله} ، ثم ما وفوا بما ابتدعوه وبما اخترعوه وبما قصدوه، {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون} .

وهذا أظهر القولين في تفسير هذه الآية، والآية تحتمل قولاً آخر وهو أن يعود {ابتغاء رضوان الله} ، وهذا الكتب كان بعد أن ألزموا أنفسهم بهذه العبادة، فشرعها الله لهم وأجاز لهم الترهب طلباً لرضوانه، ولكن هذا بعد أن شددوا فشدَّد عليهم.


(١) - الحديد (٢٦ – ٢٧)