وقال بعض المتكلمين في قوله:{وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} : البَرَد الهابط من السحاب. وقيل: لفظة الهبوط مجاز؛ وذلك أن الحجارة لما كانت القلوب تعتبر بخلقها، وتخشع بالنظر إليها، أضيف تواضع الناظر إليها؛ كما قالت العرب: ناقة تاجرة؛ أي تبعث من يراها على شرائها. وحكى الطبريّ عن فرقة أن الخشية للحجارة مستعارة؛ كما استعيرت الإرادة للجدار في قوله:{يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ}(الكهف: ٧٧) ،
وكما قال زيد الخيل:
لما أتى خبر الزبير تواضعت ... سورُ المدينة والجبالُ لخُشّعُ
وذكر ابن بحر أن الضمير في قوله تعالى:{وَإِنَّ مِنْهَا} راجع إلى القلوب لا إلى الحجارة؛ أي من القلوب لما يخضع من خشية الله.
قلت: كل ما قيل يحتمله اللفظ، والأوّل صحيح؛ فإنه لا يمتنع أن يعطى بعض الجمادات المعرفة فيعقل، كالذي. «رُوِيَ عن الجِذع الذي كان يستند إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب، فلما تحوّل عنه حنّ» وثبت عنه أنه قال: «إن حجراً كان يسلّم عليّ في الجاهلية إني لأعرفه الآن» .
وكما روي (أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «قال لي ثَبِير اهبط فإني أخاف أن يقتلوك على ظهري فيعذبني الله» . فناداه حراء: إليّ يا رسول الله) . وفي التنزيل:{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ}(الأحزاب: ٧٢) الآية. وقال:{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}(الحشر:٢١) يعني تذلُّلاً وخضوعاً، وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة «سبحان» إن شاء الله تعالى.