٠@وكنْ صابراً بالفقر وادّرِع ِ الرضا فما العزّ إلا في القناعة والرضا ... بأدني كَفَاف حاصل والتزهد فمن لم يُقْنِعْه ُالكَفَاف فما إلى ... رضاه سبيل فاقتنع وتَقَصّد فمن يَتغنى يُغْنِهُ الله ُ، والغنى ... غنى النفس لا عن كثرة المُتعَدّد
وانظر شرك تلك الأبيات بكلام لذيذ مستطاب في غذاء الألباب: (٢/٥١٣-٥٥٥) ، فمت ذلك قوله: (٢/٥٣٢) : وما أحسن قول الإمام الشافعي – رضي الله تعالى عنه –:
خَبَرتُ بني الزمان ِ فَلَمْ أرَ مِنْهُمُ ... سوى خَادع والخُبْثُ حَشْوً إهَابهْ فجَرَّدْتُ مِنْ غَمْدِ القناعة صارِماً ... قطَعْتُ رجائي مِنْهمُ بِذبَابِهْ فلا ذا يراني واقفاً بطريقهِ ... ولا ذا يراني قاعداً عند بابهْ غنيّ بلا مال ٍ عن الناس كلّهم ... وليس الغِنى إلى عن الشيء لا بهْ
وقوله: وقال غير وأحسن:
إذا أعْطشَتْك أكفُّ اللئام ِ ... كَفَتْكَ القناعة ُ شِبَعاً وَرِيَّا ج
فكنْ رَجُلا ً رِجْلُه في الثَّرى ... وهامَة ُ هِمَّتِه في الثُّريَّا أبيّاً بنفسه عن بَاخِل ٍ ... تراه بما في يديه أبِبيّا فإنَّ إراقة ماء الحَيَا ... ة ِ دونَ إراقة ِ ماء المُحَيّا
وانظر لزاماً الإحياء: (٣/٢٣٢-٢٣٧) ففيه مدح القناعة والحث عليها، وبيان الأمور التي توصل إليها، ولله دره حيث يقول: في القناعة الحرية والعز، ولذلك قيل: استغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، وأحسن إلى من شئت أميره، وقيل لبعض الحكماء: ما الغنى؟ قال: قلة تمنيك، ورضاك بما يكفيك، ثم سرد أبياتاً لطيفة رقيقة في ذلك منها:
العَيشُ ساعات تَمُرّ ... وَخطوبُ أيام تكِرّ اقنعْ بعيْشك ترْضَهُ ... واترك هواك تعيش حرّ فَلَربَّ حتْف ٍ ساقه ... ذهب وياقُوتٌ ودُرّ
ومنها:
أرْفه ببال ِ فتى أمسى على ثقة ٍ ... إنَّ الذي قسَمَ الأرزاق يرزقهُ فالعِرضُ منه مصُون لا يدنِسُهُ ... والوجْهُ منه جَديد ليس يُخْلِقُهُ إن القناعة َ منْ يحللْ بساحَتِها ... لم يلقَ في دهره شيئاً يؤرِقُهُ
ومنها:
حتى متى أنا في حَلّ ٍ وترْحال ِ ... وطول سعي وإدبار وإقبال ونازح ِ الدار لا أنْفَكّ مُغْتَرِباً ... عن الأحبّة لا يدرون ما حَالي بمشرق ِ الأرض طوْراً ثم مغربها ... لا يخطر الموتُ منْ حرْصي على بالي ولو قنعت أتاني الرزق في دَعَة ٍ ... إن القُنوع َ الغِنَى لا كثرة المال ِ
ومنها:
أراكَ يزيدك الإثراءُ حِرْصاً ... على الدنيا كأنك لا تموتُ فهل لك غاية ٌ إنْ صرْتَ يوماً ... إليها قلت: حسبي قد رضيت ُ؟
وانظر تحفة السادة المتقين: ففيه تقرير ما ذكره الغزالي بكلام محكم متين، وانظر أيضاً ذلك المبعث العظيم في روضة العقلاء: (١٢١-١٦٥) وفي صيد الخاطر ك (٣٠٠-٣٠١) وفيه:
تفضلْ على منْ شئتَ واعنْ بأمره ... فأنت ولو كان الأميرَ أميرُه وكنْ ذا غِنىً عمن تشاء من الوَرى ... ولو كان سُلطاناً فأنت نظيرُه ومنْ كنتَ مُحتاجاً إليه ووافقا ... على طمع منه فأنت أسيرُه
وفي مجموع الفتاوى: (١/٩٩) : أسعد الخلق أعظمهم عبودية لله – عز وجل – وأما المخلوق فكما قيل: احتج إلى من شئت تكن أسيره..إلخ وفي شرح تائهة السلوك: (١١-٢٢) ومما نقله عن الإمام الشافعي – عليه رحمة الله تعالى –:
أمَتُّ مطامعي فأرَحتُ نفسي ... فإنَّ النفس ما طمعتْ تهونُ وأحييتُ القُنوع وكان ميتاً ... ففي إحيائه عِرْضُ مصُونُ إذا طمعٌ يحُلُّ بلقبِ عبد ٍ ... عَلتْهُ مهانة ٌ وعلاه هُونُ
وله أيضاً:
ورزْقك لا يفوتك بالتَّواني ... وليس يزيدُ في الرزق العناءُ إذا ما كنت ذا قلب قنوع ٍ ... فأنت ومالك الدنيا سواءُ
ولبعضهم:
النفسُ تأبى أن تكونَ فقيرة ... والفقر خير من غنىً يطغيها فغنى النفوس هو الكفاف فإن أبَت ... فجميع ما في الأرض لا يكفيها
ولبعضهم:
خذْ من العيش ما كفى ... فهو إنْ زاد أتلفها كسراج ٍ منوّر ... إن طَفا دُهْنُه انطفا
ولبعضهم:
عزيزُ النفس من لزم القناعة ... ولم يكشِفْ لمخلوق قِنَاعَهْ أفادتْنا لقناعة ُ كلَّ عزّ ... وهلْ عزُّ أعزّ من القَنَاعة ْ ج فصيرها لنفسك رأسَ مال ٍ ... وصيّرْ بعدها التقوى بضاعة ْ لِتَغْنى في حياتك عن لئيم ٍ ... وتسْعَدُ في الجنان بصبر ساعة ْ
ولبعضهم:
دع ِ الحرص على الدنيا ... وفي العيش فلا تطْمعْ فإنَّ الرزق مقسوم ... وسوء الظن لا ينفعْ فقير كل ذي حرص ... غنيٌّ كل من يقنع
وقد تقدم في هذا الكتاب المبارك: (......) قول جبريل لنبينا – صلى الله عليه وسلم – "يا محمد: عس ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس"، وقد سأل نبينا – صلى الله عليه وسلم – ربه – جل وعلا – ما يسد حاجته ويكفيه، وعن غيره يغنيه، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً" وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً. انظر الحديثين في صحيح مسلم – كتاب الزهد والرقاق –: (٤/٢٢٨١) والثاني فيه أيضاً في كتاب الزكاة – باب في الكفاف والقناعة –: (٢/٧٣٠) ، وصحيح البخاري – كتاب الرقاق – باب كيف عيش النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه – رضي الله تعالى عنهم – وتخليهم عن الدنيا: (١١/٢٨٣) بشرح ابن حجر، وسنن الترمذي – كتاب الزهد – باب ما جاء في معيشة النبي – صلى الله عليه وسلم – وأهله: (٧/١٠٠-١٠١) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب القناعة –: (٢/١٣٨٧) ، والمسند: (٢/٢٣٢، ٤٤٦، ٤٨١) . وقد أخبر نبينا – صلى الله عليه وسلم – أن من حصل له ما يكفيه من تمتع بالأمن والعافية فقد أحرز النعم، وتمت في حقه كل المنن، ففي سنن الترمذي وغيره من عبيد الله بن محصن – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "من أصبح منكم آمناً في سربه معافىً في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا"، انظر سنن الترمذي – كتاب الزهد – باب ٣٤: (٧/٩٣-٩٤) ، وقال: هذا حديث حسن غريب، ورواه ابن ماجه – في كتاب الزهد – باب القناعة – (٢/١٣٨٧) ، والبخاري في الأدب المفرد: (٤٦) باب من أصبح آمناً في سربه –. ورواه ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب الزهد – باب فيمن أصبح معافى: (٦٢٠) لكن من رواية أبي الدرداء – رضي الله تعالى عنه – وقد أشار الترمذي إلى هذه الرواية فقال وفي الباب عن أبي الدرداء، وقد مال الذهبي في الميزان: (٢/١٩١) إلى تضعيف رواية الترمذي، وحكم على سند الرواية الثانية باللين أيضاً، والله أعلم. قال ابن الأثير في جامع الأصول: (١٠/١٣٦) : "آمناً في سربه" أي في نفسه، يقال: فلان واسع السرب أي: رخىُّ البال، وروي بفتح السين ـ وهو: المسلك والمذهب ١٠هـ وفي فيض القدير: (٦/٦٨) عند شرح هذا الحديث، قال: وقال نفطية:
إذا القوتُ يأتي لك والصحة ُ والأمنُ ... وأصبحتَ أخا حُزْن ِ فلا فَارَقَكَ الحُزْنُ