للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

.. لابد لسالك طريق الآخرة من إفراده ربه بخوفه ورجائه، فبذلك تستقيم أفعاله، وتصلح أحواله وتحسين عاقبته ومآله، فيبتعد عن الأمن من مكر الله – جل وعلا – والقنوط من رحمته، إذ لا يقود إلى فعل الفضائل الموصلة إلى النعيم، وترك الرذائل المردية في العذاب الأليم، إلا خوف مالك يوم الدين، ورجاء رحمة الرحمن الرحيم، ومن أجل ذلك كان الخوف والرجاء للإنسان، بمنزلة جناحي طائر الحيوان، قال أبو علي الروذباري – عليه رحمة ربنا الباري –: الخوف والرجاء كجناحي الطائر، إذا استويا استوى الطائر، وتم طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت (١) .


(١) انظر نسبة ذلك إليه في مدارج السالكين: (٢/٣٦) ، والروذباري بضم الراء وسكون الواو والذال المعجمة، وفتح الباء الموحدة وبعد الألف راء، ويقال هذا لمواضع عند الأنهار الكبار، فيقال لها: الروذبار، وهي موضع عند طوس ينسب إليها أو علي محمد بن أحمد بن القاسم الروذباري الصوفي سحب الجنيد، وكان فقيهاً محدثاً نحوياً، وله شعر رقيق، توفي سنة ثلاثة وعشرين وثلاثمائة كما في اللباب: (٢/٤١) ، وانظر ترجمته المباركة في تاريخ بغداد: (١/٣٢٩-٣٣٣) ، وفيه أقام بمصر وصار شيخ الصوفية، ورئيسهم بها، وله تصانيف حسان في التصوف نقلت عنه، وكان من أهل الفضل والفهم، وقيل له: من الصوفي؟ فقال: ومن لبس الصوف على الصفا، وسلك طريق المصطفى – صلى الله عليه وسلم – وأطعم الهوى ذوق الجفا، وكانت الدنيا منه على القفا، وانظر ترجمته في الحلية: (١٠/٣٥٦-٣٥٧) ، والبداية والنهاية (١١/١٨٠-١٨١) ، والرسالة القشيرية: (١/١٨٥) وفيما تقدم من الكتب الثلاثة الأخيرة، وفي كف الرعاع عن المحرمات اللهو، والسماع مطبوع في نهاية الزواجر: (٢/٢٨٤) ، سئل عمن يستمع الملاهي لأنه وصل إلى درجة لا تؤثر فيه اختلاف الأحوال فقال: نعم قد وصل، ولكن وصوله إلى سقر، وكان يقول كما في الحلية: في اكتساب الدنيا مذلة النفوس، وفي اكتساب الآخرة عزها، فيا عجبا لمن يختار المذلة في طلب ما يفنى على العز في طلب ما يبقى، وانظر بيان حاله أيضاً في صفوة الصفوة: (٢/٤٥٤-٤٥٥) ، وطبقات الصوفية: (٤٩٧-٥٠٠) والطبقات الكبرى للشعراني: (١/١٤٥) ، وشذرات الذهب: (٢/٢٩٦-٢٩٧) .