للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخبر ربنا – جل وعلا - في سورة الإسراء أن من عبدوا من دون الله من الصالحين يتنافسون في طاعة رب العالمين، ويرجون رحمته، ويخافون عذابه الأليم، فقال – جل جلاله –: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} الإسراء٥٦-٥٧، وفي تفسير ابن كثير لقول الله الجليل: "وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ" لا تتم العبادة إلا بالخوف والرجاء، فبالخوف ينكف عن المناهي، وبالرجاء يكثر من الطاعات (١) ،


(١) انظر تفسير ابن كثير: (٣/٤٧) ، وأوضح ما عني بالآية الكريمة ما رواه البخاري في صحيحه – كتاب التفسير – سورة الإسراء باب "٦،٧" في تفسير الآية المتقدمة: (٨/٣٩٧-٣٩٨) بشرح ابن حجر ورواه الحاكم في المستدرك – كتاب التفسير – تفسير سورة الإسراء: (٢/٣٦٢) ، وقال هذا حديث صحيح ابن جرير في تفسير: (١٥/٧٢) ، وأبو نعيم في الدلائل: (١٢٦) ، ورواه عبد الرزاق، والفريابي وسعيد بن منصور، وابن شيبة، والنسائي، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، كما في الدر المنثور: (٤/١٨٩) عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: كان ناس من الإنس يعبدون ناساً من الجن، فأسلم الجن، وتمسك هؤلاء بدينهم، هذا لفظ البخاري وفي لفظ لابن جرير وأبي نعيم: فأسلم النفر من الجن، واستمسك هؤلاء – الإنس – بعبادتهم، فأنزل الله: "أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ" الآية، قال الحافظ في الفتح: (٨/٣٩٧) : وهذا هو المعتمد في تفسير هذه الآية.

هذا وقد روى ابن جرير في تفسيره: (١٥/٧٣) عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – قولاً ثانياً في بيان المراد بالآية الكريمة، وهو: كان قبائل من العرب يعبدون صنفاً من الملائكة، يقال لهم الجن، ويقولون: هم بنات الله، فأنزل الله – عز وجل –: "أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ" الآية، وبعد أن رجح الإمام الطبري القول الأول مال أيضاً إلى قبول الثاني، واحتمال الآية له، فقال: وأولى الأقوال بتأويل هذه الآية قول عبد الله بن مسعود ... ولا قول في ذلك إلا قول من قال ما اخترنا فيه من التأويل، أو قول من قال هم الملائكة، وهما قولان يحتملهما التنزيل، وقد حكى ابن كثير في تفسير: (٣/٤٧) ترجيح ابن جير للقول الأول، ولم يتعرض لبيان موقفه من القول الثاني، قال الحافظ في الفتح: (٨/٣٩٧) ، وإن ثبت ذلك فمجمول على أنها نزلت في الفريقين، وإلا فالسياق يدل على أنهم قبل الإسلام كانوا راضين بعبادتهم، وليست هذه من صفات الملائكة، وفي رواية سعيد بن منصور عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – في حديث الباب: "فعيرهم الله بذلك" وقد وري قول ثالث في بيان المراد بالآية المباركة في تفسير ابن جرير: (١٥/٧٣) ، وغيره فانظر الدر: (٤/١٩٠) عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – هم: عيسى وأمه وعزير، والشمس والقمر، وقد رد ذلك ابن جرير تمسكاً بأن الآية في بيان ما كان حاصلاً في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم –، ومعلوم أن عيسى وأمه وعزيراً لم يكونوا موجودين إذ ذاك، فكيف يبتغون إلى ربهم الوسيلة؟ فهم إذن لا سبيل لهم في ذلك الوقت إلى العمل كما هو حال الشمس والقمر، ويضاف إلى هذا ما قرره الحافظ في الفتح: (٣٩٧) من ضعف طرق تلك الرواية، وفيه: تنبيه: استشكل ابن التين قوله: "ناساً من الجن من حيث أن الناس ضد الجن، وأجيب بأنه على قول من قال: إنه من ناس إذا تحرك، أو ذكر للتقابل حيث قال: ناس من الإنس، وناساً من الجن، وياليت شعري على من يعترض؟.