اخوتي الكرام: الفقهاء بمنزلة الأطباء، حاجة الأمة إليهم كحاجة السمك إلى الماء، نعم كما تقدم معنا مراراً من كلام أئمتنا الفقهاء بمنزلة الأطباء الماهرين، كما أن المحدثين بمنزلة الصيادلة المؤتمنين، لذلك كانت في العصور الأولى نسبة من يعنى بالحديث ويشتغل به تزيد على من يعنى بالفقه ويمهر فيه، يقول أنس بن سيرين رضوان الله عليهم أجمعين وهو من أئمة التابعين كما يروي هذا الإمام الرام هرمزي في كتابه المحدث الفاصل بين الراوي والواعظ في صفحة ستين وخمسمائة صـ٥٦٠، يقول أنس بن سيرين الذي توفي سنة عشرين ومائة للهجرة ١٢٠هـ وقيل ثمان عشر ومائة ١١٨ وهو من شيوخ الإسلام، حديثه مخرج في الكتب الستة، يقول هذا العبد الصالح: قدمت الكوفة وكان قدومه إلى هذا البلد الإسلامي في السنة التي ولد فيها فقيه الملة وإمام الفقهاء الإمام أبو حنفية النعمان رضي الله عنه سنة ثمانين للهجرة ٨٠هـ، قال فوجدت فيها أربعة آلاف طالب يطلبون الحديث ووجدت فيها أربعمائة فقهوا.
إن الفقهاء لعلو منزلتهم ولصعوبة عملهم عددهم قليل في كل وقت، ففي العصور المتقدمة في بلدة الكوفة أربع مائة يعنون بالفقه ويشتغلون فيه، وأربعة آلاف يدرسون الحديث ويشتغلون فيه، هذا كان في عصور البركة والسرور في القرن الأول من الهجرة، وأما في زماننا فإلى الله المشتكى، تقاصرت الهمم وضعفت نحو الأمرين (الحديث فبضاعة من يقال عنهم أنهم محدثون في هذه الأيام بضاعة قليلة قليلة، وأكثر من يدعي التحديث، هذه الأيام قد اشتغل بمهمة الحديث، وأما فقهاء هذا الزمان فأكثر اجتهاداتهم ما أنزل الله بها من سلطان.