فمن أنت أيها الشيخ ومن أنا ومن يوجد في هذا الزمان بجنب أولئك الأئمة الأعلام. ما أستطيع أن أقول أني ذهبت يوماً قط اطلب الحديث أريد به وجه الله. وغالب ظني أنك وأنكم لا يخفى عليكم حال هشام الدستوائي الذي بكى من خشية الله حتى فسدت عينه والذي كان يقول عجبت للعالم كيف يضحك ثم يقول عن نفسه هذا. وكان أكثر أهل البصرة ذكراً للموت وهو الذي يقول فيه أمير المؤمنين في الحديث شعبة بن الحجاج:(هشام أعلم مني وأحفظ من قتادة) وهو الذي يقول فيه أبو داود الطيالسي: (هشام الدستوائي أمير المؤمنين في الحديث) ومع ذلك يقول (لا أستطيع أن أقول إني ذهبت يوما قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل) فكوني مخلصاً أو لا فدع هذا لي بين وبين ربي. وأنت لا تتدخل بما في قلوب العباد وكل واحد ينبغي أن يتهم نفسه، وأنا على يقين أن كل واحد منا يعرف من عيوب نفسه مالا يعرفه من عيوب غيره، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس قال الإمام الذهبي معلقاً على كلام هشام الدستوائي:(قلت: والله ولا أنا –أي أنا ما أستطيع أن أقول إنني ذهبت اطلب الحديث لله في يوم قط –أبدا- لله مخلص لا يمكن أن أقول هذا. قلت والله ولا أنا فقد كان السلف يطلبون العلم لله فنَبُلُوا وصاروا أئمة يُقْتَدَى بهم وطلبه قوم منهم أولا لا لله فحصلوه ثم استفاقوا وحاسبوا أنفسهم فجرّهُمُ العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق كما قال مجاهد وغيره طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية ثم رزقه الله النية بعد وبعضهم يقول: (طلبنا هذا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله) فهذا أيضاً حسن ثم نشروه بنية صالحة رحمهم الله ورضي عنهم والصنف الثالث وقوم طلبوه بنية فاسدة لأجل الدنيا وليثني عليهم فلهم ما نَوَوا.