.. وقد تكرر ذلك السؤال عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما – ففي معجم الطبراني الكبير أن رجلا ً أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، إنا نسافر فنلقى أقواماً يقولون: لا قدر، قال: فإذا لقيتم أولئك فأخبروهم أن ابن عمر برئ منهم، كنا عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ أتاه رجل حسن الوجه طيب الريح، نقي الثوب، فقال: السلام عليك يا رسول الله، أأدنو منك؟ قال: "ادنه، فدنا دنوة قالوا ذلك مراراً، حتى اصطكت ركبتاه ركبتي النبي – صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت، وصيام رمضان، والغسل من الجنابة، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم؟ قال: نعم، قال: صدقت، فما الإيمان؟، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار، والقدر خيره وشره، حلوه ومره من الله، قال: إذا فعلت فأنا مؤمن؟ قال: نعم، قال: صدقت، فما الإحسان: قال: تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا محسن، قال: نعم، قال: صدقت، قلنا ما رأينا رجلاً أطيب ريحاً، ولا أشد توقيراً للنبي – صلى الله عليه وسلم – وقوله للنبي – صلى الله عليه وسلم – صدقت، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – عليّ بالرجل، فقمنا وقمتُ أنا إلى طريق من طرق المدينة، فلم نر شيئاً، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هل تدرون من هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبريل يعلمكم مناسك دينكم، ما جاءني في صورة قط إلا عرفته إلا في هذه الصورة (١)
(١) - ورجال السند موثقون كما في مجمع الزوائد: (١/٤٠-٤١) ، والجمع بين هذا الحديث وما قبله أن ابن عمر حضر مع أبيه – رضي الله تعالى عنهما – سؤال جبريل للنبي – عليهما الصلاة والسلام – فروى الحديث تارة عن نفسه كما في معجم الطبراني، ورواه تارة عن والده كما في الروايات الأخرى، وفعل ذلك مع حضوره بنفسه، لأن والده عمر تغيب عن المجلس بعد تفرق الصحابة الكرام – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – في طلب الرجل، فلم يحضر عمر قول النبي – صلى الله عليه وسلم –: "إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" كما دل على هذا قوله: "فلبثتُ ملياً" وفي رواية النسائي والترمذي: "فلبثت ثلاثاً" وورد في رواية أبي عوانة: "فلقيني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد ثلاث" وفي رواية ابن حبان: "بعد ثالثة" وعند ابن منده: "بعد ثلاثة أيام" كما في الفتح: (١/١٢٥) ، فأخبر عمر بذلك ولده عبد الله فروى ابن عمر الحديث عن والده مع حضوره بنفسه لتلك النكتة. ولم أر من أشار إلى ذلك، والله تعالى أعلم.