للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: إن الله تعالى لما أكمل قصة هؤلاء الذين يدخلون الجنة وذكر قولهم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر: ٣٤] إلى آخر كلامهم، قال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا} [فاطر: ٣٦] فأخبر عن أهل الكفر بأنهم في النار، فدل ذلك على أن من ذكر قبلهم مؤمنون وأنهم أهل الجنة، وغير هذا من التأويل في الآية تعسف محض.

وإنما قيل في الظالم لنفسه أنه الذي لم يتب من الكبائر لأجل أن التقسيم يقتضيه، إذ لو تاب منها لالتحق بالمقتصد، لأن المقتصد إنما يكون من مات على صغائر لم يتب منها فيتولى ذلك الغفران، لاجتنابه الكبائر، أو يكون صاحب كبائر، لكن يموت تائبا منها، ويكون مقتصدا في فعل الخيرات.

وأما السابق بالخيرات فهو الفاضل المجتنب للكبائر والصغائر الباذل نفسه في اكتساب الطاعات والمجتهد في فعل القربات ونيل الدرجات.

وإذا فرغنا من هذا فنقول: إن هؤلاء الثلاثة الذين ذكر الله في هذه الآية أنهم يدخلون الجنة إنما ذلك ابتداءا في حق بعضهم، وبالمآل في حق بعضهم، لأن المقتصد والسابق بالخيرات يدخلان الجنة من غير عقاب، والظالم لنفسه ينقسم جنسه إلى قسمين: من هو مغفور له، ومن هو مقتص منه.

فمن هو مغفور له يدخل الجنة من غير عقاب أيضا، ومن هو مقتص منه يدخل الجنة بعد القصاص، فإذا دخلها آخرا فيعد من أهلها أولا لأجل تخليده فيها، فلذلك حسن أن يرجع الضمير في قوله يدخلونها إلى الجميع.

ولنرجع إلى ما كنا فيه، فنقول: إن (ق.٣٢.ب) أهل الكبائر المعذبين في النار بسبب معاصيهم ثم يخرجون منها إلى الجنة إنما بين أمرهم نبينا محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،

<<  <  ج: ص:  >  >>