والعجب من الحميدي رحمه الله كيف يقسم الناس ثلاثة أقسام: قسم من رجحت حسناته، وقسم من رجحت سيئاته، وقسم من استوت حسناته وسيئاته، وهو تقسيم صحيح.
ثم يرجع فيقسم القسم الذي هو من رجحت سيئاتهم إلى هذه الثلاثة الأقسام بعينها، فكأنه قال: ثم رجعنا إلى المؤمنين الذين رجحت سيئاتهم فوجدناهم ينقسمون ثلاثة أقسام:
قسم من رجحت حسناته، وهو من هو كثير الخير قليل الشر.
وقسم من رجحت سيئاته، وهو من هو كثير الشر، قليل الخير.
وقسم من استوت حسناته وسيئاته، وهو من هو كثير الخير كثير الشر، أو قليل الخير قليل الشر.
وفي هذا من التناقض ما لا خفاء به.
فإن قال قائل: فلعل الحميدي إنما جعل في هذا الباب من هو كثير الخير كثير الشر، ومن هو قليل الخير قليل الشر باعتبار أنه غلب جانب الشر، فإنه قد يكون هنالك كبائر تُربي على ما في جانب الخير من أعمال البر، مثل قتل النفوس وغصب الأموال وشرب الخمر والزنا والسرقة وغير ذلك من أنواع الفسوق، فلا يبعد أن يوصف المكلف بكونه كثير الخير كثير الشر، لكن يكون جانب الشر مغلظا لشناعة تلك الكبائر.
قلنا: لنا عن هذا جوابان (ق.٥٠.أ)، ولكن بعد أن نقول لقائل هذا: هبك أنا نسلم لك هذا التأويل فما تقول في القسم الذي هو كثير الخير قليل الشر؟ هل يصح أن يدخل في هذا الباب؟