فلا يسعه إذا كان منصفا، إلا أن يعترف بأنه (١) لا يدخل في هذا الباب، إذ لا حجة له على دخوله فيه، كما أنه لا عذر للحميدي في ذلك البتة.
ثم نرجع إلى ذكر الجوابين فنقول:
أحدهما: أن نقول للحميدي، أو لمن احتج عنه: نعكس عليكم ما قلتم، وذلك بأن نقدر نحن أيضا أن جانب الخير يُربي على جانب الشر، بأن تكون في جانب الخير أفعال عظيمة من أعمال البر مثل الصلاة المقبولة التي يناجي المصلي فيها ربه، ومثل الصدقة التي تعظم حتى تكون مثل الجبل، ومثل الصيام الذي هو لله تعالى من بين سائر العبادات، ومثل الحج المبرور الذي ليس له جزاء إلا الجنة، ومثل الجهاد والرباط والعتق وطلب العلم وإحياء نفس مؤمنة أو هدايتها للإسلام وغير ذلك مما جاء الشرع بتعظيم الثواب فيه.
فلا يبعد أيضا أن يتصف المكلف بكونه كثير الخير كثير الشر، لكن يكون جانب الخير أرجح عند الحساب وأثقل في الميزان، لاسيما وللحسنة عشر أمثالها، فهي توزن مضاعفة، وللسيئة مثلها، فهي وإن كانت عظيمة لا توزن إلا وحدها من غير تضعيف، ولا محالة أن المضاعف عشر مرات أكثر من شيء لا يضاعف.
وإذا كانت أكثر كانت أوزن بشرط أن نقدر كون الطاعات والمعاصي في الصغر والكبر على حد سواء.