قلنا: هذا الجزاء في الدنيا مقدر من الشرع، والجزاء في الآخرة غير مقدر لنا فكل من أخرج من النار بالشفاعة فمكثه فيها قبل ذلك هو جزاؤه على معاصيه سواء قدر استيفاء القصاص منه في مدة مكثه أو لم يقدر، وذلك يختلف بالأشخاص بحسب إرادة الله تعالى فيهم.
وأما قول الحميدي:(إلا أنا تأملنا قول الله تعالى: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا}، إلى قوله:{فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} ... [الأعراف ٣٧ ـ٣٨ـ٣٩]، فوجدنا فيه دليلا على صحة الوجه الأول فقط، وهو أن الأكثر معاصي يتقدم في النار على طبقة أقل معاصي منه) فهو (ق.٥٧.أ) غريب جدا، لأن هذه الآيات إنما نزلت في الكفار.
وكلامه في تلك الأقسام المتقدمة إنما هو فيها مع المؤمنين.
والدليل على أن هذه الآيات إنما هي في الكفار أن في أولها:{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} ... [الأعراف: ٣٦ـ٣٧].
فهذا نص بأن من تضمنته هذه الآيات كفار، ثم قال تعالى:{قال ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ}[الأعراف ٣٧]،