ونزيد ما قلناه بيانا فنقول: الضرب الذي به الجنون المطبق لا يخلو مَجانينه من أمرين: إما أن يُجن أحدهم قبل البلوغ، وإما أن يجن بعد البلوغ.
فأما من جُن قبل البلوغ وبقي كذلك بعد البلوغ إلى أن مات فلا يخلو أن يكون وُلد بين أبوين مؤمنين أو أبوين كافرين.
فإن كان ولد بين أبوين مسلمين فحكمه حكمهما في الدنيا والآخرة، غير أنه لا يحاسب لكونه غير مكلف، ولا يعذب لكونه غير مذنب، وإذا لم يعذب فلا يكون في النار أصلا، لأن النار إنما تدخل على وجه العقاب، وهذا لا عقوبة عليه.
وإذا لم يدخل النار فهو في الجنة، إذ ليس في الآخرة موضع استقرار حاشى هاتين الدارين، فمن لم يكن في إحداهما لزم أن يكون في الأخرى.
وإن كان الذي جُن قبل البلوغ ولد بين أبوين كافرين فحكمه حكم صبيان أهل الشرك، لأنه جن قبل بلوغه وهو صبي، وبقي كذلك بعد البلوغ إلى أن مات، وسيأتي الكلام على حكم صبيان المشركين في الآخرة في الباب الرابع بحول الله.
وأما من جُن بعد أن لزمه التكليف بالبلوغ وبقي كذلك إلى أن مات فلا يخلو أن يكون قبل جنونه مؤمنا أو كافرا: