فصرفوه إلى مكة وضربوه وأهانوه حتى استنقذه بعضهم لمعرفة تقدمت بينه وبينهم.
فإذا كانت قريش تعامل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أول مبعثه إلى هجرته هذه المعاملة من التكذيب له وتنفير الناس عنه وتخويف من آمن به فيلزم عن ذلك أن يكون من يحضر الموسم من العرب قد يلتبس عليهم أمر النبي - عليه السلام - فلا تقوم الحجة عليهم كما ينبغي، وإن كان فيهم من قامت عليه الحجة بسماع القرآن منه ومعرفة السامعين له بإعجازه فيتجه ذلك في بعض من حضر الموسم لا في كلهم.
لكون الناس متباينين في الذكاء والفطنة، فقد أرسل أبو ذر الغفاري أخاه إلى مكة عندما بلغه مبعث النبي - عليه السلام - وقال له: اعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي، فتوجه أخوه إلى مكة، ثم رجع فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاما ما هو بالشعر فقال له أبو ذر: ما شفيتني مما أردت (١).
وقد صدق أبو ذر في هذا القول، إذ ليس فيه ما يؤذن بالنبوة، ثم توجه أبو ذر بنفسه حتى لقي النبي - عليه السلام - وسمع قوله فأسلم حينئذ.
وذلك يدل على ما كان بينه وبين أخيه في الفهم من المباينة.
ثم إن من يحضر الموسم من العرب هم الأقل بالإضافة إلى من بقي منهم في قبائلهم، فإذا انصرفوا إليهم بعد حضور الموسم وأخبروهم بذكر النبي - عليه السلام -، فلا بد أن يخبروهم بحاله مع قريش، وذلك مما يشوش على السامعين أمر النبي - عليه السلام - ويعتقدون أنه لو كان محقا لاتبعه قومه.