وإذا ثبت اشتراكهما معا في هذا الدعاء تبين منه أن إسماعيل لا يصح أن يعني بذلك نفسه.
الوجه الثاني: إن قوله: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ}[البقرة: ١٢٩] الآية، إنما تعود الضمائر المذكورة فيها على الأمة المسلمة في المعنى، وهم من ذرية إسماعيل، ولا يبعد أن تعود على أهل الحرم المذكورين في قول إبراهيم أولا:{رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}[البقرة: ١٢٦]. وأهل الحرم من ذرية إسماعيل، وكل من هو من ذرية إسماعيل فهو من ذرية إبراهيم, ولهذا قالا جميعا:{وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ}[البقرة: ١٢٨] , وإذا كان الرسول الذي سألا الله تعالى فيه من ذرية إسماعيل فقد صح أنه غير إسماعيل ضرورة.
الوجه الثالث: إن في ذلك الدعاء: {يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} ... [البقرة: ١٢٩] , وإسماعيل - عليه السلام - لا يعلم له كتاب، فقد يجوز أن يكتفي في شريعته (ق.١١١.أ) بصُحف أبيه إبراهيم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , ويجوز أن ينزل الله عليه بعض الصحف، لكن تكون داثرة كما دثر خبر من ءامن به.
وإذا بطل بما ذكرناه كون إسماعيل هو الرسول الذي تناولته تلك الدعوة تعين أن ذلك الرسول هو نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب المبعوث بمكة في صميم أهلها قريش, الذين هم صريح ولد إسماعيل - عليه السلام - , وهو المنزل عليه القرآن المنقول عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالتواتر, وقد وجدت فيه الصفات المذكورة في آية الدعوة من تزكيته لأمته وتعليمه إياهم الكتاب والحكمة وتلاوته عليهم الآيات, حسبما ذكره الله في الآيتين المتقدمتين.